العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ

روايات إسلامية وألواح بابلية تثبت غزو الفضاء

الوسط - محمد المخلوق 

تحديث: 12 مايو 2017

عندما يملكون وحدهم ناصية اللغة المترجمة، وعندما تتوافر لديهم وحدهم الوثائق التاريخية، ويعكفون وحدهم أيضا على دراستها في معزل من العالم تتعزز حينها نظرية المؤامرة، وتصبح واقعا ملموسا. .. أطماع تقف حائلا كي لا يبدو أن لهذه الأمة تاريخا متجذرا، إذ تسعى تلك الأطماع لإثبات أسبقيتها وحضاريتها ورقيها بكل الأشكال، ومنها اجتثاث هذا الإنسان "في بلاد الرافدين"، ورمي شجرته الباسقة في قرار أرض التاريخ في الصحراء لتيبس!

أسطورة جلجامش المشهورة منطلق للعالم العراقي السيدسبيط النيلي صاحب الآراء الفريدة والمحاولات الجادة لإعادة القراءة وإنتاج الجديد، وهي محاولة حثيثة وملفتة للعودة إلى النص، واستنطاقه لقراءة أقرب إلى جو النص، وأبعد عن أفكار المترجمين، فالمفردات التي فهمت على أنها ألوهية، فقيل إثرها إن المجتمع العراقي يؤمن بتعدد الآلهة إلى حد فظيع، بل ويمنح هذه الآلهة صفات شبقية إلى حد ممارسة الجنس في طقس عبادي بشكل جماعي، هي - بنظر النيلي - تجاوزات من المترجمين الذين لم يكونوا منزهين عن "الأوتار" من هذه الحضارات المنافسة لحضارتهم، فحملوا النصوص بأكثر مما تحتمل، والغريب هو اعتماد الباحثين العرب على تلك الأصول والبناء عليها نظريات مؤسسة على خطأ أصلا.


الرابطة القصدية

"الرابطة القصدية" هي الجماعة التي تكفلت بنشر آثار "شيخها" منقحة معدلة، وهي تقرر منذ البداية أن ما ورد قد لا يكون مورد اتفاق وصحة تامة، ولكنه "يحمل من الوجاهة والصدقية حدا يبعث على التأمل"، ويؤكدون أن المنهج البحثي معتمد على شروط منها مفهوم "القصدية" نصا ودلالة، ويراد به استبعاد كل الطرق اللغوية قديمها وحديثها لمعالجة النص، وعدم تقدير غيره أو تخمين مرادف له. وهنا المشكلة الكبيرة، فألواح بابل الفخارية التي عثر عليها في العراق فقدت منها أجزاء، فلجأ الباحثون إلى التقدير إتماما للنص، أو لجأوا إلى إبدال المفردات فاختلفت المعاني، ولعل أبرز الشواهد كلمة "إيلو" التي فسرت بالرب أو الإله، مع التصريح بوجود "آنو" كبير الآلهة وأبوالجميع، وهو تجن واضح على ذلك الأثر البابلي.

يبرهن البحث على عدة نتائج، منها: أن شخصية جلجامش ليست أسطورية بل حقيقية، وقد أوتيت معارف علمية دقيقة، وأن جلجامش استطاع الانطلاق إلى الفضاء الخارجي مستعملا السرعات الفائقة بآلات معينة، وأن ذا القرنين "عائش أو عياش" هو نفسه جلجامش وليس أحدا سواه... والإثبات الأعظم أن الأمانة التاريخية في تعاملها مع كثير من القضايا المتعلقة بحضارة بلاد الرافدين مطعون فيها، وأن الهدف هو الطعن في الإنسان العراقي.


"رؤية عامة للملحمة"

يعالج في هذا الفصل قصة ملحمة جلجامش - التي يبدو أنها كانت محاربة على كل الأصعدة، وما وصلنا منها هو بعناية سماوية - برؤية تختلف عن العشوائية التي امتازت بها الدراسات العربية والعراقية متأثرة بالباحثين الغربيين. وقد قام النيلي من خلال معرفته البسيطة باللغة البابلية - اعترافا منه بذلك - ومن خلال تتبع الترجمات والتفكيك الدلالي بإزالة التعارض، فوجد أن الملحمة ليست تاريخا متلعثما ومرمزا، وليست أيضا أسطورة بعيدة تمام البعد عن الواقع، ربما تكون كذلك بالترجمات العشوائية وبالاعتباط في الترجمة والتفسير الموجود، ولكنها بتتبع لقصدية النص والدلالة تثبت أنها واقعية ولكنها مكتوبة بلغة أدبية، وهي بذلك تختزن بعدا أخلاقيا ساميا يجسد الدنيا في "عشتار" وأعوانها في "الثور وخواره"، والصلحاء المقاومين لها في "جلجامش" وصديق دربه المتحول من عداوته والمخلوق أساسا لنصرته "أنكيدو"، وتشكل الملحمة أيضا المناسبة للتعبير عن الملك العظيم المؤتى من السماء - مطابق لمفهوم الولاية التكوينية في الفكر الشيعي - والمدلل عليه ببراهين تثبته، وهي تعكس الصراع مع الحياة للبقاء الأبدي بأسلوب غير أسلوب عشتار المخادع.


"قراءة في اللوحين التاسع والحادي عشر"

يهدف هذا الفصل إلى إثبات أن الشخصيتين واحدة، إذ يعالج قضية ذي القرنين الذي يعد أول ملك على الأرض من تعيين إلهي بعد الطوفان، ويقارن بينه وبين جلجامش، متوصلا إلى أن جلجامش هو نفسه ذو القرنين، معتمدا على قراءة جديدة للنص القرآني المبني في سورة الكهف على الثلاثية، وقد حمله حنقه على التعارض بين القرآني واللغوي على التصريح بأن علوم اللغة الحالية مجرد أبحاث اعتباطية لا تمت للعلم بصلة.

من خلال التحليل يرى أن رحلة ذي القرنين رحلة فضائية إلى العالم الخارجي "كواكب أخرى"، بعد أن يسر الله له "سببا" أي "آتيناه علما وقدرة ليعمل آلة يتوصل بها إلى مراده" - كما روي عن علي "ع" - ويفسر "الردم" القرآني بغير "السد" وهي التسمية المتداولة، فالردم مغناطيس صناعي كبير أوصل به خطوط الفيض، وأغلق به منطقة الضعف في القطب، فمنع الكائنات الفضائية المزعجة من تهديد الأرض، غير مغفل الإشارة إلى أن منبع تلك الروايات عن ذي القرنين هو الرسول "ص" والإمام علي "ع" تحديدا الذي ماثل نفسه بذي القرنين بإرادة القوى الخاصة والخارقة. ثم يأخذ في بيان أوجه الشبه بين جلجامش وذي القرنين بشكل ملفت من خلال مقارنة بين نص الملحمة ونصوص قصة ذي القرنين.

ويسبقني النيلي إلى القول: "يبدو أن علينا أن نتصف بنوع من التواضع أمام بعض الأشياء التي لا ندرك مغزاها، فإن الرفض هو دوما أسهل السبل، وهو سبيل الجهلاء"، و"إن اعتقادنا بأننا عرفنا أسرار الطبيعة وحدنا دون سوانا من الأمم السالفة هو اعتقاد يحتاج إلى أكثر من وقفة!".


"أسطورة الطوفان أم طوفان الأسطورة"

وهي قراءة جديدة في اللوح الحادي عشر، يطعن فيها في المؤسستين الدينية والثقافية اللتين جمدتا على مفاهيم خاطئة تتنافى مع الدين والعلم، فالدينيون اعتقدوا أن ألوان العذاب الإلهي المذكورة في الكتب المقدسة لا تحتاج إلى البحث عن عللها الطبيعية وينبغي تجاهلها، والباحثون العلميون يستبعدون اليد الإلهية، ليثبت بذلك أن الدين غريب، "فطوبى للغرباء".

باختصار هي محاولة جادة دفعتني إلى تغيير فكرتي عن الكتب التراثية 180 درجة، فمن تصورها أساطير شعبية إلى أسطورة وتاريخا ملعثما والآن هي حقائق وأرقام





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً