ظهرت من جديد قضية كركوك على السطح، لكن هذه المرة ليس بين تركيا "التي غيرت من مواقفها تجاه الكرد بعد الانتخابات العراقية، وتطالب اليوم بسياسة جديدة حول التركمان. سياسة ينتج عنها حل لوضع التركمان في العراق بشكل يماثل وضع التركمان في بلغاريا" والاكراد بل بين حلفاء الامس والشركاء المفترضين، أي بين الشيعة والاكراد. يبدو ان احدا لا يستطيع البت في مسألة كبيرة كمسألة كركوك وهو الامر الذي يدفعنا الى القول بأنه ما زال هناك كثيرون لا يستطيعون فك رموز وشيفرة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، فهو من عقد مسألة كركوك من خلال ترحيل وطرد الكرد والتركمان من المدينة، وسماها بمحافظة التأميم واستوطن العرب الذين استقدمهم من جنوب العراق وعقد المسألة أكثر عندما قام بقتل ودفن الكرد والتركمان، الأمر الذي شكل أزمة احصائية وسكانية وأحدث خللا في كركوك. والغريب ان الاطراف التي كانت تعارض صدام متمسكة الآن بما انجزه صدام، ويرونها مسألة وطنية تحتاج الى إجماع وطني حتى وان كان هناك دستور مؤقت أقر بضرورة تطبيع الاوضاع في كركوك. استطرادا... الاكراد متمسكون بحل مسألة كركوك الواقعة على بعد 250 كم شمال بغداد، قبل دخولهم في الحكومة العراقية المقبلة وملء الفراغ الدستوري الراهن الذي تلى اجراء الانتخابات. ولا نستغرب ان الأكراد يكرسون كل قوتهم وجهدهم وامكاناتهم لجلب الحق الى جانبهم، ورأينا كيف ان جلال طالباني يقلب الوثائق على الطاولة الواسعة في اجتماع مجلس الحكم ليثبت كردية كركوك. وثائق كثيرة بحوزة الكرد بدءأ من الكتب المدرسية والاطلس القديم والوثائق العثمانية والبريطانية، تثبت كردية كركوك، المدينة التي توصف بانها مزيجا من العرب والتركمان والكرد والاشور". اذا الوثائق كثيرة بدءا بالسالنامات "الرسائل" العثمانية وإنتهاء بنتائج الانتخابات التي أظهرت مدى حجم وثقل الكرد في هذه المدينة، لكن المشكلة ليست في الوثائق وانما الاطراف التي لا تريد حل هذه المسألة. بالنسبة إلى الأتراك، قالت لهم وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس ونشر في إحدى الصحف التركية "توركيش ديلي نيوز": "ليس عليكم القلق بل كونوا سعداء فهناك أصلا دولة كردية في العراق وعاصمتها كركوك ولا تثيروا ضجة بل تمتعوا بذلك فمع نفط كركوك الاكراد سيملكون الدخل الفردي ط2,500 مليون دولار وسيكونون زبائن جيدين لتركيا، وستصبح منطقة "جنوب شرق" تركيا غنية مع العاصمة كركوك، ألم يكن يسجل ويدون لكم بأن الاكراد والتركمان هم أقاربنا؟ فاستمتعوا بهذه العلاقة". ما يثير الاستغراب هو أن الكل يرفض مطالب الكرد في كركوك من دون أن يقدم طرحا مقنعا يقنعهم به، حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى الحل الذي يرضي الجميع. حتى هذه اللحظة لا يوجد طرف عراقي يقدم مشروعا بديلا عن المشروع الكردي. ويقول الكرد ان رفض المطالب أو صدها بات أمرا غير مقبول منطقيا، من دون وجود بدائل. على رغم من ان هناك بندا خاصا بمسألة كركوك وهو البند "58" من قانون ادارة الدولة العراقية المؤقت، كما انه تم تشكيل لجنة حيادية عراقية برئاسة حميد مجيد موسى "سكرتير الحزب الشيوعي العراقي" من قبل الحكومة العراقية للبت بمسألة تطبيع الاوضاع في كركوك، والأكراد من جانبهم لم يعترضوا على كل ما سبق، على رغم من ان تلك اللجنة ليست كردية. الأكراد يقولون بإنهم لا يطلبون كركوك لأنها مدينة نفطية، بل يقولون إن من سوء حظ كركوك وحظهم بأنه اكتشف فيها النفط! يثبت الأكراد كردية كركوك، من خلال الخرائط الموجودة في الكتب المدرسية القديمة في البلدان العربية وخصوصا مصر، والوثائق العثمانية والمراسلات الضرائبية والخرائطية للسلطنة العثمانية، وشهادات القنصل الأميركي السابق وليم ايكلتن الذي كان قنصلا في كركوك في العامين 1954 - ،1955 الذي قال: "ليس هناك شك بشأن كردية كركوك". وقال قبل أكثر من شهر للأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني في السليمانية اثناء زيارته لكردستان إن "مدينة كركوك في الخمسينات كانت نسبة العرب فيها 5 في المئة، وان هذه النسبة تزايدت بشكل غير طبيعي". وأرجع "سبب التزايد الى التغيير الديمغرافي". وكتب جبار قادر في مواقع الكترونية كردية مقالا انتقد من خلاله بعض الاقلام العربية والتركية وقال: "لابد ان هذا البعض يعرف جيدا ان 779 قرية وقصبة كردية تابعة لمحافظة كركوك جرى تدميرها وازالتها وفق الوثائق الرسمية الحكومية". وتبرز الوثائق الكثيرة، ومنها وثيقة تعود الى العام 1998 ان عدد المرحلين 301433 نسمة. ويقول الأكراد انهم غير قلقين اذا طلب شركاؤهم في العراق مثل هذه الوثائق، فهناك المئات منها، وكذلك طبيعة الآثار والحفريات كلها تثبت هويتها الكردية. المهم هنا، سواء كانت كركوك كردية أو عراقية، فإن مواردها تعود إلى خزينة الدولة المركزية وتتوزع على جميع العراقيين، وربما تصبح فعلا نموذجا لمدينة التآخي والتعايش، وبالتالي، فهي مدينة العراق الاتحادي. لكن قبل ذلك من المهم أن تقدم الأطراف التي تعترض، حلولا مرضية ومقنعة وأن يترك الامر مفتوحا، إذ لم يعد بإمكان الكرد أن يقبلوا بأقل من ذلك. وكما ان وضع العراق لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، خصوصا ان هناك وثائق ذات طابع دولي مثل تقرير هيومن رايتس ووتش، في الرابع من أغسطس/آب الماضي: "بعد فشل انتفاضة 1991 ركزت الحكومة العراقية على عمليات التعريب في مدينة كركوك الغنية بالنفط والمناطق المحيطة بها لتغيير قوميتهم في سياسة سميت "التصحيح القومي" كي يسجلوا هؤلاء وهم من غير العرب كعرب في الوثائق الرسمية". وعن عدد الافراد الذين رحلوا خلال 1991 و2000 الى 120,000 مواطن من كركوك والمناطق التابعة لها الى المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. وقدر التقرير ان عدد الاكراد الذين تم ترحيلهم وتهجيرهم من مناطقهم الاصلية بمليون نسمة، حسب التقرير الذي أعدته منظمة هابيتات التابعة للأمم المتحدة. والتي تقدر عدد الكرد المهجرين الى المحافظات الكردية الثلاث "السليمانية واربيل ودهوك" بـ 805,505 نسمة. بقي السؤال: هل سيأتي يوم يثبت التاريخ خطأ الأطراف العراقية مثلما اثبت لتركيا التي ترغب بايجاد علاقة جيدة معهم؟ ربما، هذا ما يأمله الكرد في الايام المقبلة. * كاتب كردي سوري
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ