كيف ستتعامل السلطة اللبنانية مع الاستحقاقات المتعلقة بإعادة ترتيب أوضاعها في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية التي تضغط على التوازنات المحلية؟ الخيارات المطروحة أمام السلطة اللبنانية ليست كثيرة، ويمكن اختصارها في ثلاثة اتجاهات، هي: أولا، التصادم مع "الشرعية الدولية" ورفض تطبيق ما تبقى من فقرات في القرار 1559 وكذلك رفض التعامل مع لجنة التحقيق الدولية التي أقرها مجلس الأمن تحت القرار . 1595 وهذا ما رفضته لأنه يفوق طاقاتها وقدراتها في وقت أبدت فيه دمشق تجاوبها مع الشرعية الدولية. ثانيا، التصادم مع النفوذ المعنوي السوري في لبنان بعد إكمال دمشق سحب قواتها في نهاية أبريل/ نيسان الجاري. فسورية لها موقعها الخاص بحكم علاقات الجوار الجغرافي - التاريخي "الثقافي". وحتى لو تقلص دورها فإنه لن يختفي نهائيا عن الشاشة اللبنانية. وهذا أيضا كما يبدو ليس واردا الآن وخصوصا أن دور الأجهزة الأمنية لايزال يفرض حضوره النسبي في الحياة السياسية. ثالثا، التصادم مع المعارضة اللبنانية استنادا إلى دعم "تجمع عين التينه" أو من خلال استخدام الأكثرية النيابية في البرلمان لتمرير مشروع قانون للانتخابات يرضي حكومة عمر كرامي التي يبدو أنها ستكون أقرب إلى المواجهة لا إلى التسوية. يبدو أن الخيار الثالث هو المرجح في توجهات السلطة اللبنانية خلال الفترة المقبلة. فالسلطة ضعيفة في مواجهة الضغوط الدولية وكذلك فهي لاتزال في موقع لا يسمح لها بمواجهة النفوذ المعنوي السوري... وبالتالي لم يبق لديها سوى المعارضة لممارسة سلطتها المنهارة عليها. الخيار الثالث هو المرجح، ولكنه ليس المفضل لأنه في النهاية سيفتح أمام السلطة سلسلة أبواب مقفلة ربما توصل الأطراف المحلية إلى مصادمات داخلية سياسية أو غير سياسية تدفع بالتوازنات نحو تعارضات تستدعي تدخلات أجنبية لإعادة ترتيب مراكز القوى اللبنانية. ربما يكون الخيار الثالث "التصادم مع المعارضة" هو الأسهل في الظروف الراهنة وخصوصا أن السلطة اللبنانية باتت في وضع لا تحسد عليه بعد صدور قرار دولي يسمح بلجنة تحقيق تملك صلاحيات تدخلية للتدقيق في الجهات التي سهلت أو بررت أو ساعدت في اغتيال رفيق الحريري. إلا أن الخيار الأسهل الآن سيكون الأصعب للسلطة اللبنانية في الشهور الثلاثة المقبلة. فهناك أولا تقرير تيري رود لارسون الذي سيرفعه قبل نهاية الشهر الى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تجاوب الأطراف المعنية بالقرار .1559 ويرجح أن يمتدح لارسون الموقف السوري وتجاوب دمشق مع الفقرة المتعلقة بها "الانسحاب العسكري" إضافة إلى عدم حسمها لموضوع ملكية مزارع شبعا وهذا أيضا يصب في مصلحة المرجعية الدولية. ومقابل هذا المديح للموقف السوري سيطرح لارسون علامات استفهام بشأن السياسة اللبنانية وترددها في التجاوب مع الفقرات الأخرى من القرار إضافة إلى تمسكها بملكية المزارع. وهناك ثانيا موضوع الانتخابات ورغبة السلطة اللبنانية في تأجيلها سياسيا وتقنيا. وهذا يعني أن بيروت باتت في موضع مواجهة المزيد من الضغوط الدولية المترافقة مع تحركات متوقعة للمعارضة لمنع حصول مثل هذا الاحتمال. وهناك ثالثا موضوع بدء اللجنة الدولية تحقيقاتها بشأن جريمة الاغتيال التي صنفت إرهابية. ويتوقع أن تنتهي أعمال اللجنة بعد ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وهذا يعني أن هناك فرصة ستة أشهر للسلطة اللبنانية للتحرك وترتيب أوضاعها وإعادة النظر في اختياراتها الداخلية والإقليمية. الخيارات ليست كثيرة أمام السلطة كذلك المدة الزمنية ليست طويلة فهي تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة، وبالتالي يتوجب عليها إعادة صوغ علاقاتها في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية في فترة لا تتجاوز أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. فهل تستطيع أم أن سيف التدويل سيسبقها؟ الاحتمالات ليست كثيرة، ولكنها في مجموعها صعبة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ