نال كتاب الراحل فؤاد خوري "القبيلة والدولة في البحرين" شهرة واسعة عندما صدر العام 1980 بل وصل الأمر إلى حظر بيعه وتداوله في البحرين. والكتاب دراسة انثروبولوجية تتناول تطور نظام الحكم والسلطة في البحرين، من خلال انتقالها من مجتمع يقوم اقتصاده على زراعة النخيل وصيد الأسماك والغوص لاستخراج اللؤلؤ إلى مجتمع عصفت به صناعة النفط والمؤسسات التابعة لها. ويركز الكتاب على موضوعين رئيسيين أولهما التغيير الحاصل في نظام السلطة والحكم بفعل التدخل الأجنبي وبفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي أثارتها صناعة النفط، وثانيهما تأثير هذه التحولات على التفاعل الاجتماعي المتبادل بين مختلف فئات الشعب من القبائل والفلاحين وسكان المدن. ويلخص الكاتب استنتاجاته بأن تجربة البحرين قد أثبتت أن "القبيلة" في الحكم قد تتبنى من الأمور التحديثية في المجتمع كالمشروعات الاعمارية وبرامج الإنعاش والإنماء، ولكنها ترفض التحديث السياسي كالتمثيل الشعبي والقانون المدني الموحد. وهي إذ تفعل ذلك تحافظ - بحسب رأي الكاتب - على ذاتيتها كحزب سياسي يخدم مصالحه، شأنه في ذلك شأن كل تنظيم سياسي آخر يعمل على إضعاف التحزبات الأخرى وتفتيتها، "والحكم لمن غلب". الكتاب يصف التحولات من القبيلة إلى الدولة، والصراعات التي مر بها شعب البحرين خلال تلك التحولات وخصوصا منذ عشرينات القرن الماضي، إذ شهدت البحرين بدايات إصلاحات إدارية وبيروقراطية. أتطرق اليوم لموضوع القبيلة والمواطنة، أو التحول من رعايا إلى موطنين بعد أن تناقلت الصحف ووكالات الأنباء هذا الأسبوع قضية مثيرة للجدل حدثت في الدولة الشقيقة قطر، إذ أسقطت الحكومة القطرية الجنسية عن 972 أسرة يتجاوز عدد أفرادها خمسة آلاف شخص، وهم جميعهم ينتمون إلى قبيلة المرة التي تستوطن قطر منذ ما يقرب من مئتي سنة. وذكر الخبر، نقلا عن صحيفة "الحياة"، أن القرار استتبع بإجراءات لفصلهم من أعمالهم ومطالبتهم بتسليم المساكن التي يقيمون فيها كمواطنين، وحرمانهم من كل امتيازات المواطنة كالعلاج والتعليم. وبصرف النظر عن ملابسات القضية وأسباب إسقاط الجنسية القطرية عنهم فإن موضوع المواطنة الذي تبنته معظم دول الخليج حين استقلالها في الستينات والسبعينات هو القضية الملحة. فالمواطنة كمفهوم حديث بدأت مع الثورة الفرنسية وتطورت لاحقا مع التطور الديمقراطي في المجتمعات الغربية. وهي تعني الانتقال بالولاء من المجال القبلي أو الديني أو الطائفي أو العرقي أو الجنسي "رجل - امرأة"، إلى الولاء المبني على أساس وطني وقومي. ويحدد الكاتب النجار حقوق المواطنة في أربع مجالات هي الحقوق المدنية: وهي حقوق ضرورية لحرية الأفراد وتأتي من خلال القوانين والإجراءات التي تعترف بحق الفرد وحريته في التعبير والتمثيل والتنظيم والانتقال والسفر وغيرها. وتأتي بعدها الحقوق السياسية: وتعني ضمان حق الفرد في المشاركة السياسية في المجتمع من دون النظر إلى دينه أو جنسه. كما تعني حقه في الترشح والانتخاب. ثم الحقوق الاجتماعية: بمعنى حق الفرد في التمتع بمستوى معيشي لائق. كما تعني حق الفرد في الانخراط في تجمعات أهلية مدنية، ثقافية أو سياسية. وآخرها الحقوق الثقافية: وتعني احترام حق الأفراد في التعبير عن الخصوصية الثقافية ضمن الوحدة السياسية المعنية. ولاتزال الكثير من الدول العربية تفتقر إلى تطبيق حقوق المواطنة على الأقليات التي بدأت تطالب بحقوقها وإعادة هويتها الخاصة مثل شمال العراق وجنوب السودان وبعض مناطق القبائل في الجزائر. كما يشمل الحرمان عدة فئات أخرى في منطقة الخليج مثل البدون أو المتجنسين حديثا. ويمكن إضافة إقصاء المرأة عن المواطنة، فالتمييز ضدها في القانون وفي الواقع يمارس في بعض مناطق الخليج، بل لاتزال الكثير من دول المنطقة من دون قانون للأسرة يحمي أفرادها. إن قدرة المرأة على ممارسة حقوقها كمواطنة يتطلب إصدار قانون حديث للأسرة يوضح التزامات أفراد الأسرة تجاه بعضهم بعضا وتجاه المجتمع والدولة. إن حقوق المواطنة تتكرس إذا أدخلت ضمن مناهج التعليم منذ المرحلة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الثانوية. إلا أننا لا نجد اهتماما كافيا من قبل المسئولين التربويين في دول الخليج للنظر بجدية إلى هذا الموضوع بالغ الأهمية بشتى المقاييس. إن تطوير التعليم لا يعني استعمال الانترنت وإجادة اللغة الإنجليزية والتعمق في البحث العلمي فقط، ولكنه يشمل تعلم قضايا أصبحت من البديهيات في العالم المتقدم، مثل تعلم أصول المواطنة وقواعدها على مقاعد الدراسة. وفي مؤسسات التعليم العالي يقدم هذا الموضوع ضمن مقررات حقوق الإنسان أو التربية الوطنية. وغالبا ما نسمع أو نقرأ احتجاج الكثيرين وغضبهم من "تدخل الآخرين" في شئونهم الداخلية، والمعني بالآخرين هنا منظمات حقوق الإنسان الدولية والدول الكبرى وخصوصا مطالبة الأخيرة بتنفيذ استحقاقات الاتفاقات التي وقعتها تلك الدول، وأهمها المشاركة السياسية والمساواة. إن البطء الشديد وأحيانا النكوص الذي يواكب التنفيذ ربما يؤجل المواجهة، ولكنه لن يلغي الالتزامات التي تعهدت دولنا بتنفيذها. فتلك القرارات غير المسئولة التي نسمع عنها هنا أو هناك ستزيد من تعقيد الأمور، وستجعل التغيير أكثر عنفا وربما تقود المنطقة إلى دروب وعرة يصعب الخروج منها. * كاتبة وأكاديمية بحرينية
العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ