إجماع مجلس الأمن على تشكيل "لجنة تحقيق دولية" لمتابعة ملابسات اغتيال رفيق الحريري يعني عمليا تدويل عملية الاغتيال وبداية خروج ملفها من القضاء اللبناني. فدور اللجنة يقوم على احترام استقلال القضاء شكليا إلا أن مهمتها تتجاوز كثيرا حدود تلك السيادة التي تتحدث عنها مواثيق الأمم المتحدة. ويرجح أيضا أن تتدول مسألة الانتخابات اللبنانية في حال قررت الدول الكبرى - وتحديدا تلك المعنية مباشرة بالموضوع - أن هناك محاولات للتلاعب في المسألة من ناحيتي القانون وموعد انعقادها. وهذا في حال حصوله يعتبر أيضا سابقة على صعيد تشريعات الأمم المتحدة وجديدا على مستوى العلاقات الدولية. ويرجح أيضا أن تدفع الدول الكبرى نحو تدويل مسألة سلاح حزب الله في حال فشلت الأطراف المحلية والقوى المعنية بالموضوع وبالتعاون مع الدولة في ترتيب حل لهذه المسألة. فالدول الكبرى جاهزة لسحب الغطاء ونقل مسألة سلاح الحزب من خانة اتفاق الطائف "مقاومة لبنانية" إلى خانة القرار 1559 "مليشيات مسلحة". وهذا أيضا في حال حصوله يعتبر سابقة في العلاقات الدولية وبداية لإعادة تأسيس ملاحق وقرارات تكتسب صفة شرعية وتعطي الدول الكبرى صلاحيات التدخل تحت مسميات مختلفة في الشئون الداخلية للدول الصغيرة. حتى تدخل مجلس الأمن في موضوع تعديل المادة 49 من الدستور اللبناني والتمديد ثلاث سنوات للرئيس اميل لحود يعتبر سابقة في القانون الدولي على مستوى الأمم المتحدة. فالقرار 1559 تضمن مجموعة فقرات تأسيسية في منظومة العلاقات الدولية من حيث أعطى مجلس الأمن صلاحية التدخل في مسألة لبنانية تتميز بالكثير من التعقيدات والخصوصيات. هناك إذا ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية لا تحترم السيادة أو القانون الخاص للدول المستقلة والأعضاء في الأمم المتحدة. وهذه الظاهرة لم تبدأ مع لبنان منذ أكثر من سبعة أشهر وانما ظهرت ملامحها الأولى في مطلع تسعينات القرن الماضي حين بدأ الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي يتفكك. فمنذ تلك اللحظات طرحت وجهات نظر جديدة مخالفة لقوانين الأمم المتحدة وأعرافها وتركزت بداية على تعديل الميثاق الدولي باتجاه التخفيف من مسألة سيادة الدول وحق حكوماتها المستقلة في التصرف كما تشاء ضد شعوبها. فالآراء الجديدة انصبت على تقليص صلاحيات الدولة في حدودها الوطنية وإعطاء الأمم المتحدة حق التدخل في شئون الدول في حال لاحظت ان الدولة الوطنية تتجاوز حقوق الإنسان أو تضطهد أقلية لأسباب لونية أو دينية "جنوب السودان مثلا" أو طائفية أو قومية "الأكراد في العراق مثلا". ومنذ تلك الفترة طرحت على بساط البحث مجموعة مشكلات اختيرت عشوائيا لتمرير سياسات كبرى وتنفيذ غايات لاختبار مدى عجز الاتحاد السوفياتي، ومستفيدة من دخول جيش العراق أرض الكويت. وفي ضوء هذا التحول الدولي في موازين القوى مضافا إليه ذاك التحول الإقليمي الذي طرأ في منطقة الخليج حين استخدمت قوة إقليمية تفوقها العسكري للسيطرة على دولة مجاورة... بدأت الولايات المتحدة تحركها العالمي مستغلة بدء غياب منافسها عن المسرح الدولي. وعلى أساس تلك التحولات بدأت الأمم المتحدة بتأسيس قواعد جديدة للتحرك الدولي تعطي صلاحية للدول الكبرى للتدخل الإنساني لفض نزاعات داخلية بينما كانت مهمة دول مجلس الأمن تقتصر سابقا على فض أو فصل نزاعات حدودية أو خارجية. العالم اليوم في وضع مختلف عن السابق مادامت لم تنهض قوة جديدة موازية للتسلط الأميركي وهيمنة الولايات المتحدة على قيادة السياسات الدولية. فنظام "العولمة" لا يقتصر فقط على شئون الاتصالات والمواصلات والمعلومات والتجارة والاتفاقات المتعلقة بالكثير من الحقول الداخلية "الضريبة الجمركية مثلا" بل انه بدأ يتحول إلى شمولية سياسية تقوم على فكرة تشبه "الدكتاتورية العالمية" التي تعطي الحق للدول الكبرى في التدخل في شئون خاصة لدولة صغيرة. ولبنان في هذا المعنى من الدول الصغيرة ولذلك هناك الكثير من التوقعات بشأنه انطلاقا من تلك المداخل الثلاثة: اغتيال الحريري، الانتخابات، وسلاح حزب الله
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ