العام الماضي "2004" كان عاما مليئا بالبيانات والإعلانات والمبادرات الإصلاحية من كل جانب، ولذلك فقد كان "عام المبادرات الإصلاحية". أما هذا العام فيبدو أنه أصبح "عام الصرخات نحو الحرية والتنمية"، والذين يصرخون ليسوا فقط الضعفاء والمستضعفين والحركات المعارضة، وإنما الأغنياء أيضا ومعهم المؤسسات الكبرى بما في ذلك هيئة الأمم المتحدة ذاتها. بدأنا الأسبوع الماضي "2 ابريل / نيسان" بإطلاق تقرير التنافسية العربية الذي صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي "منتدى دافوس" في الدوحة والذي قال ان العالم العربي ينتظر انفجار "قنبلة إنسانية موقوتة" عدادها مئة مليون عربي عاطل عن العمل خلال الأعوام العشرة المقبلة. وقال التقرير ان العالم العربي يعتبر من أسوأ الدول على مستوى التنمية الاقتصادية بعيدة المدى عندما تتم مقارنته مع باقي دول العالم التي تنمو بصورة صحيحة، وفي بعض الأحيان بسرعة مذهلة. ثم كان تقرير التنمية الإنسانية العربي الثالث الذي صدر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في 5 ابريل، والذي أشار الى أن الدول العربية تعتبر من أسوأ مناطق العالم في الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الانسان، وأن الكثير من الأنظمة أصبحت "تتفنن" في كيفية الالتفاف على مطالب الإصلاح عبر ترقيعات هامشية تبتعد عن جوهر الحرية التي بدأت تعم الدنيا، بينما مواطنو الدول العربية محرومون من أدنى مستوياتها. وعزا التقرير التخلف في التنمية الاقتصادية الى التخلف في الحقوق والحريات وانه لا يمكن الصعود باقتصاد بلد مادام شعبه مكبلا وخائفا ومرعوبا. في 5 ابريل أيضا اجتمع في المنامة ممثلو 25 دولة أوروبية أعضاء في الاتحاد الأوروبي مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي لإكمال المفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة التي طالت كثيرا منذ ان بدأت في العام .1988 وفي الأثناء طرحت الدول الأوروبية موضوع حقوق الانسان، وكانت هناك ردود ومحاولات لتأجيل الحديث عن هذه الموضوعات. وطرحت كل دولة إصلاحاتها التي تقترب ولو قليلا من المطالب الاصلاحية المطروحة على الساحة الدولية. وذكرت قطر أنها ستحتضن "مركز الأمم المتحدة لحقوق الانسان لجنوب غرب آسيا والمنطقة العربية" من أجل تعزيز وحماية حقوق الانسان من خلال التعاون بين الحكومات في قضايا التدريب والإعلام والتوثيق والدراسات وتبادل الخبرات. في الفترة ذاتها، أطلقت منظمة الشفافية الدولية تقريرها الذي قالت فيه إن حجم الرشا في مختلف أنحاء العالم يقترب من ثلاثة مليارات دولار يوميا "وهذا يعادل موازنة الحكومة البحرينية لسنة واحدة"، وقال التقرير هذا الفساد يعتبر من أكبر المعوقات أمام "التنمية المستدامة". وأشار التقرير الى الفساد المستشري في قطاع الإنشاءات، وهو يشكل "عالميا نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي"، ويشكل هذا القطاع نحو 4 في المئة من الناتج المحلي. وفي هذه المناسبة طالبت الجمعية البحرينية للشفافية بضرورة الإسراع في استكمال اجراءات التصديق على الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد وتشكيل جهاز يتخذ من الضوابط الدولية أساسا لعمله. صرخات مدوية في كل مكان، ويتركز كثير منها على بلداننا العربية التي يصر كثير من حكامها ومسئوليها على إبقائها خارج الزمان وخارج سياق التطور الانساني. والسؤال الذي يطرح نفسه: ترى هل ان آذان المسئولين في البلاد العربية مازالت صماء ولا تسمع النداءات والصرخات التي لم تعد "محلية" وحسب، وإنما هي "دولية" بكل ما لهذه الكلمة من معنى؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ