قبل سبع ليال بالضبط، نظم مركز السنابس الثقافي محاضرة للكاتب الصحافي السوري انطون بارا، بعنوان "الحسين فكر وحضارة". نصف المحاضرة كان طرحا جميلا قدمه الضيف المحاضر، والنصف الآخر كان إجابات أكثر جمالا على اسئلة الجمهور الذي اكتظت به قاعة المركز، من الجنسين. الكاتب المسيحي الذي عرفه الجمهور في الخليج والبحرين خصوصا، قبل ثلاثين عاما، زار البحرين ثلاث مرات، المرة الاولى منتدبا من صحيفة كويتية للقيام بتغطية إعلامية لمؤتمر اقتصادي رسمي. كانت زيارة قصيرة، لم تترك وراءها غير صورة لبلد يبدأ السير توا على طريق التنمية والتوسع العمراني. هذه الصورة أخذ يقارنها بالصورة الحديثة للبحرين، إذ ارتفعت المباني وتوسعت المدن. الشاب القادم من يبرود السورية قبل ثلاثين عاما، ابتدأ مشواره مع التأليف بـ "بركة الإمام الحسين" كما يقول، ليخوض بعدها مجالات شتى ويخرج للجمهور 13 مؤلفا، تتوزع على دائرة واسعة من أدب الخيال العلمي وانتهاء بأدب الاحتلال، على ضوء تجربة الكويت المريرة التي عاشها المؤلف بتفاصيلها. في هذه الزيارة الثالثة، وفي مركز السنابس الثقافي، وبعد أن أكمل بارا محاضرته تحول الميكروفون إلى الجمهور، الذي لم يتوان عن توجيه الأسئلة التي دخلت في تفاصيل تجربته الفريدة، فكان يجيب عليها أحيانا بالكلام، وأحيانا بالابتسام، وفي الحالين لم تكن تنقصه الصراحة، فاعترف انه لم يقرأ "الملحمة الحسينية" للمطهري، وانه دون العنوان ليشتريه من المكتبة. وعن أفضل من كتب عن موضوعه الأثير أشار إلى "سمو المعنى" للعلايلي، و"أبو الشهداء" للعقاد. ولم ينس أن يقدم شهادة عن شعب البحرين بقوله: "ان الأخوة الطيبين في البحرين، المشهورين بثقافتهم وتواضعهم، هم أكثر شعب يقرأ". في المحاضرة أيضا، ذكر بارا زيارته للمرسم الحسيني وإعجابه بالتجربة، وطلب بعض لوحات الفنانين البحرينيين ليضيفها إلى النسخة الجديدة من كتابه الشهير. في اليوم التالي جمعتنا دعوة غذاء على شرف الضيف في إحدى ضواحي جزيرة المحرق، ودار الحديث على موجات السياسة والاجتماع والثقافة والوضع العام، متنقلين بين الكويت والبحرين في مقارنات يعشقها المهتمون بشئون شعوبهم. سألته عن متابعته للوضع في البحرين، وأوجزت له الوضع الاجتماعي العام، وأنشطة الجمعيات الاسلامية والمؤسسات الخيرية في البحرين، تعرفا على تجربة الكويت. لما عرف ان في البحرين 77 مؤسسة وصندوقا خيريا تمد يد المساعدة والعون إلى الأسر الفقيرة، أثنى على هذه الروح الطيبة واعتبرها من أوضح تجليات روح التكافل والتعاضد لدى المجتمع البحريني. أحسست في نبرته نوعا من التقدير الخاص لهذه المؤسسات، خصوصا وهو يقارنها بالوضع في الكويت الشقيقة وما تورطت به بعض المؤسسات هناك من أعمال اضطرت الحكومة إلى إغلاقها أو إزالة أكشاكها العامة. لا أدري... هل كان انطون بارا ضيفا على مركز السنابس تلك الليلة، أم كان ضيفا على شعب البحرين، أم كنا نحن ضيوفا على مائدته بـ "بركة الإمام الحسين"؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 945 - الخميس 07 أبريل 2005م الموافق 27 صفر 1426هـ