باع أحد البؤساء المعدمين في القارة الإفريقية إحدى عينيه وإحدى كليتيه بـ 20 دولارا لصالح أحد الأثرياء ! 20 دولارا فقط! ولما سأل الناس هذا البائس عن السبب في بيعه عينا وكلية بهذا الثمن البخس قال لهم: "أريد أن أعيش، وأريد لأبنائي أن يأكلوا، ولم يكن بوسعي أن أطعمهم إلا بهذه الصفقة!". هذا هو العالم في القرن الحادي والعشرين، لايزال الإنسان فيه يتضور جوعا وربما يموت، ولايزال أخوه الإنسان يتلاعب بالدراهم ولا يدري أين يوجهها، وعندما يحتاج هذا الإنسان المتخم إلى عين أو كلية أو حتى قلب فإن ثمن كل ذلك دراهم معدودة على الأصابع العشر! هذا التفاوت المعيشي الذي راحت ضحيته عين الإفريقي الأسمر وكليته ليس في إفريقيا فحسب، وإنما هو في كل جهة من هذا العالم الصغير بكل ما تحمل كلمة الصغير من معنى، وليس من الشذوذ أن يتفاوت الإنسان مع أخيه الإنسان في دخله وفي مستواه المعيشي، ولكن من الشذوذ أن يحتقر الغني الفقير فيصبح ثمن كأس من القهوة في أحد مقاهي الأثرياء بثمن عين أو كلية، حتى أن كل فقير ينتظر من يشتري أحد أعضائه أو يموت جوعا، من دون أن يحرك ذلك مشاعر الأغنياء الذين يبيتون ويشخرون وينخرون من الشبع، ويبيت أخوهم الإنسان الفقير البائس بأنينه من الجوع. هذا هو إنسان القرن الحادي والعشرين، الذي بلغ مبلغا من التطور والاكتشافات، وهو الذي وصل إلى القمر ويخطط للوصول إلى الكواكب واحتلال الفضاء، ولكن يبدو أنه كلما تقدم خطوة في العلم والتكنولوجيا، تراجع ألف خطوة في التقارب مع أخيه الإنسان