حين قام وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بجولة قبل أسبوع إلى عدد من دول اميركا الجنوبية طلب شخصيا عدم إدراج فنزويلا على قائمة الدول التي سيزورها. منذ أن تسلم هوغو تشافيز الحكم في فنزويلا وحصل جورج دبليو بوش على منصب سيد البيت الأبيض في الولايات المتحدة، يسود علاقات البلدين توتر متزايد، كل يستغل أية فرصة لاستفزاز الآخر. وليس في الأفق ما يشير إلى أن هذه العلاقات ستتحسن في المستقبل القريب. زار رامسفيلد الأرجنتين والبرازيل وغواتيمالا ليحيي العلاقات القديمة التي كادت أن تصبح طي النسيان بسبب تركيز السياسة الخارجية الاميركية على ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب وانهماكها في نتائج غزوها أراضي العراق وأفغانستان. لكن مجرد أن وطأت قدماه أراضي اميركا الجنوبية راحت أفواج الصحافيين تلاحقه بالسؤال عن التوتر القائم بين واشنطن وكراكاس ما دفع رامسفيلد المعروف بأنه يتحدث قبل أن يفكر إلى الرد بصورة عشوائية تكشف عن قلة صبره لدى وصوله العاصمة الأرجنتينية: لم أحضر إلى هنا كي أتحدث عن فنزويلا. كرر الكلام نفسه عند وصوله البرازيل وهناك أضاف: لست أدري ما وراء حاجة فنزويلا لمئة ألف قطعة سلاح من طراز ءث- ،74 أنا شخصيا أرجو ألا تشتري فنزويلا أسلحة لأن هذه الخطوة ستؤثر سلبا على الاستقرار في المنطقة. غير أن واشنطن تراقب منذ وقت ما يفعله تشافيز وخصوصا وزارة الدفاع الاميركية التي تنظر بدهشة وقلق شديدين لقرار الرئيس الفنزويلي شراء 12 طائرة حربية و24 طائرة تدريب من البرازيل، و10 حاملات طائرات وأربع فرقاطات وأربع زوارق حربية من اسبانيا، و40 طائرة مروحية حربية من روسيا ومئة ألف بندقية من طراز كلاشينكوف علما بأن عدد أفراد القوات المسلحة في فنزويلا لا يزيد عن أربعين ألف جندي. السؤال الذي يحير رامسفيلد ومستشاريه في وزارة الدفاع: لماذا مئة ألف قطعة سلاح لأربعين ألف جندي؟ أكثر ما يثير قلق جنرالات بوش أن تقع هذه الأسلحة بأيدي جماعات معادية لمصالح الولايات المتحدة في اميركا الجنوبية مثل ثوار فارك الماركسيين في كولومبيا المجاورة إذ تنفق الولايات المتحدة مليارات الدولارات في مكافحتهم. كما يسود قلق الاستراتيجيين في الحزب الجمهوري الحاكم بواشنطن من مغبة أن يقدم تشافيز على زيادة عدد أفراد جيشه والسماح بإنشاء ميليشيات شعبية. قبل وقت قصير وصفته وزيرة الخارجية الاميركية كوندليزا رايس بأنه عنصر سلبي في المنطقة. وتخشى هذه المسئولة الاميركية التي لها كلمة مسموعة عند الرئيس بوش أن تتحول فنزويلا إلى كوبا عصرية. ليس سرا أن كوبا، بلد السكر مازالت مثل 46 سنة مضت تثير أعصاب المسئولين في واشنطن لم تنجح خلالها القوة العظمى على رغم الحصار الاقتصادي المفروض على هذا البلد أن تطيح بنظام الزعيم فيديل كاسترو. لكن هذا الرجل الذي أصبح طاعنا بالسن لم يعد يشكل خطرا حقيقيا على الولايات المتحدة منذ أن انهار الجدار الفولاذي في أوروبا الشرقية بعد ظهور برسترويكا غورباتشوف وتحول الأصدقاء السابقون في المعسكر الاشتراكي من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي وتركوا حلف وارسو يندثر ويتدافعون اليوم للانضمام لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. ومنهم من ساند الولايات المتحدة بعد غزو العراق من خلال تخفيف الأعباء عنها في هذا البلد العربي الذي كان يوما حليفا لهم. بينما تكاد شمعة كاسترو البالغ 78 عاما من العمر أن تنطفئ بدأ يلمع نجم تشافيز على الطرف الآخر من ضفة البحر الكاريبي والذي يبلغ 50 عاما من العمر. لم يقو عليه قوى وصفها بالرجعية حاولت الإطاحة به في العام ،2002 ولم يهزه إضراب عام دائم في العام .2003 وهو على العكس من صديقه العجوز كاسترو انتخب من قبل الشعب كما فشلت المعارضة في صيف العام 2004 بالإطاحة به من خلال استفتاء شعبي لكنه خرج فائزا ما زاده ثقة بنفسه واستأثر بالنفوذ بصورة أقوى بكثير من السابق. ويجلس تشافيز اليوم على كنز يساعده في استفزاز خصومه وجمع أصدقاء جدد حوله: النفط أو ما يعرف بالذهب الأسود. ذلك أن فنزويلا الواقعة في الجزء الشمالي من اميركا الجنوبية هي اليوم خامس اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. وتستفيد هذه الدولة بصورة خاصة من الارتفاع العالي لسعر النفط الذي لم يسبق وأن بلغت قيمته ما آلت إليه في الوقت الحالي بسبب قلة العرض وشدة الطلب. واشتدت معارضة نظام تشافيز بصورة خاصة قبل عامين حين انخفضت أسعار النفط بصورة كبيرة. غير أن عوائد الدولة ازدادت بقوة نتيجة السعر العالي للذهب الأسود. يستخدم تشافيز شركة النفط الوطنية ذلضسء في تمويل سياساته. وقد استخدم أموال البترودولار في تمويل برامج اجتماعية جعلته بطلا عند غالبية أبناء شعبه على رغم أن هذه السياسة لم تقض على الفقر المتنامي. وهكذا يدير تشافيز الذي كان قائدا لفرقة المظليين في الجيش حكمه مستعينا بعوائد النفط لكن أيضا متأثرا بالمناضل سيمون بوليفار الذي يعتبره مثله الأعلى. كما يستعين بالقضاء لملاحقة خصومه ويهدد الذين يدعون للإضراب أو قلب نظام الحاكم بأن يقضوا بقية العمر وراء القضبان. يذكر أن المعارضة أصابها ضعف كبير بعد الهزيمة التي منيت بها في العام .2002 تقوم ناقلات شركة ذلضسء بنقل القسم الأكبر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يجري إنتاجها يوميا إلى الولايات المتحدة كما في السابق. وتغطي هذه الكميات نسبة 15 في المئة من احتياجات السوق الاميركية. تحكم مصالح البلدين أن تظل الأمور على هذا المنوال على رغم توتر العلاقات بين البلدين. لا يكف تشافيز عن التوقيع على عقود مع شركات النفط الاميركية ولا يكف عندما يستخدم هذا التكتيك في التأكيد على التعاون القائم بين البلدين. وقد هدد تشافيز واشنطن بوقف حنفية النفط عنها إذا قررت أن تمسه بأذى. وكان قبل ذلك قد اتهمها بالتخطيط لاغتياله وغزو بلده تماما مثلما فعل ذلك كاسترو قبله. وحذر تشافيز البارع في المناورة من أن يصل سعر برميل النفط في حال إثارة عدم الاستقرار في فنزويلا إلى مئة دولار. في الوقت نفسه أعلن أنه سيبيع شركة ىه في الولايات المتحدة والتي تشرف على نشاطات خمسة عشر ألف محطة وقود والبحث عن أسواق جديدة خصوصا في مناطق لا تروق لجورج دبليو بوش. ووقع تشافيز المولع بالسفر على عقود في اسبانيا وفرنسا والهند كما بين شركائه روسيا والصين. في الوقت نفسه يزداد نفوذ فنزويلا في منظمة الدول المنتجة للنفط دمك وعين علي رودريغيز الرئيس السابق لهذه المنظمة في منصب وزير النفط. واستقبل تشافيز في قصر ميرافلوريس قبل وقت قصير الرئيس الإيراني محمد خاتمي ومنحه وسام المناضل سيمون بوليفار أعلى وسام تمنحه دولة فنزويلا. كما استفز واشنطن بتأييده حق إيران في إنشاء مفاعل طاقة نووية. ويرتبط بصداقة مع الزعيم الليبي معمر القذافي كما هو ضيف دائم على صديقه كاسترو إذ تزود فنزويلا كوبا بالنفط وترسل إليها أفواجا من الأطباء. في مقابلة أجرتها معه محطة "الجزيرة" دعا تشافيز إلى تضامن مجموعة الدول الغنية بالنفط في مواجهة تهديدات المحافظين الجدد في واشنطن. لهذا السبب وصفته وسائل الإعلام الاميركية بأنه معاد لبوش. وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" تقول عنه إنه لا يختلف عن بوش في الظهور تارة كرجل سياسة يرتدي سترة فاخرة وتارة كمناضل يتحدث عن كفاح المناضل الكوبي تشي غيفارا. كان النجم الأول في المؤتمر الاجتماعي العالمي في بورتو أليجري حين تنبأ بسقوط الولايات المتحدة وأن هذه العملية ستبدأ من داخل أراضيها. وأضاف قائلا: من يزعم أن الاشتراكية قد ماتت أمامه الدليل أنها لم تمت بنهاية الاتحاد السوفياتي. يقول دبلوماسي غربي أوروبي إن الولايات المتحدة عاجزة في إسكات تشافيز ووقفه عن التطاول عليها والاستهزاء بها. ولم تنجح حتى اليوم في تشكيل جبهة مساندة لها في اميركا الجنوبية. فقد عقد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا تحالفا استراتيجيا مع فنزويلا كما يحب الرئيس الأرجنتيني نيستور كيرشنر ورئيس أرغواي الجديد تاباري فاسكيس شخصية تشافيز كثيرا. ويحظى بتأييد واسع عن زعيم هنود بوليفيا إيفو موراليس والمتمردين في أكوادور. لدى تشافيز رغبة كبيرة بتوحيد دول اميركا الجنوبية. ردا على قلق رايس ورامسفيلد قال تشافيز لمحطة "تلي سور" التي أنشأها ردا على محطة "سي إن إن" الأميركية: الولايات المتحدة غاضبة فقط لأننا لم نشتر أسلحة منها
العدد 945 - الخميس 07 أبريل 2005م الموافق 27 صفر 1426هـ