العدد 944 - الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ

الإنسان العربي بين عضلات عنترة وعقل إفلاطون

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

التقرير الأخير للتنمية العربية كان صريحا ودقيقا، وتكلم عن الحريات العامة في العالم العربي وضرورة ترسيخ حقوق الإنسان وخصوصا في السجون العربية. شيء جميل لكن هل تعلمون ان التاريخ العربي كان حافلا بوسائل التعذيب، منها دفن السجناء وهم أحياء، تنفيذ الإعدام ذبحا، الاحراق حتى الموت... ورد في "الطبري" ان أبومسلم الخراساني اعدم 600 ألف بين رجل وامرأة وغلام... وتاريخنا العربي موشى بالنكهات الاستالينية وان جاءت الثانية عن الأولى منها اعدام المرأة بربطها الى فرسين وأيضا سلخ الجلود وقلع الأظافر كما حدث في عهد هشام بن عبدالملك والتعذيب الجنسي كما حدث في وقعة الحرة عندما اغتصب جيش يزيد نساء المدينة، فالتاريخ يخبرنا ان زياد ابن ابيه كان متخصصا باعدام النساء وكان يتبع وسيلة منع التجمهر، اذ يلزم كل رجل ان يركب وحده ويمنعهم من ركوب الجياد مترادفين... طبعا لن نقول فقط العرب... حتى الاستعمار تفنن في التعذيب اضرب لكم مثالا، البريطانيون في الهند كانوا يحشرون القطط الصغار في صدور الفلاحات لارغامهن على دفع الضرائب. في السياسة كل شيء مباح اذا انعدم الضمير وغابت الاخلاق. وهذا ما يعبر عنه بالبراغماتية... والمصالح والغاية قد تبرر ألف وسيلة... اليوم أصبح المكياج هو الغالب على الحقيقة ولكن على رغم ذلك اعتقد ان وضع حقوق الانسان ربما افضل حالا على - رغم فظائع الكوارث - من السابق. وذلك يعتمد على مدى صدق الديمقراطية الموجودة في اي مجتمع. لكن أصحاب المبادئ ودعاة الحقوق يجب ان يفهموا خطورة المصالح على مستوى العالم... السياسة لا تؤخذ بالصراخ ومكبرات الصوت... ولكم أمثلة: قابل الرئيس السوداني قرار مجلس الأمن الأخير في تسليم من "تورط" بانتهاكات و"ابادة" و"جرائم ضد الانسانية" من السودانيين بالقسم وخرجت الجماهير تصرخ في كل مكان... السودان في ورطة والحل ليس بالهتافات... السياسيون وحدهم في السودان يعرفون معنى قرار الأمم المتحدة... كذلك الأمر في لبنان... وما فعلته الأمم المتحدة من قرار ...1559 سورية لم تعتمد مكابرة صدام فعرفت خطورة الأمر فسارعت بالعمل للانسحاب من لبنان... لانها تعلم ان الخطة كبيرة وخطيرة. نحن في السياسة يجب ان نتعاطى بالحقائق الموجودة على الأرض ونقرأها جيدا... نقرأ التوازنات العالمية والاقليمية... ودقة المعلومات مهمة في قراءة الوضع السياسي للعالم... أديب عربي اخد يحلل طبيعة الشخصية العربية بعد هزيمة 67 التي لطفناها بأوهامنا فأسميناها "نكسة" يقول: إن في الشخصية القومية العربية نفورا من الحقائق وولعا بالاوهام... العربي لا يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة ولكنه يصنعها، يبتكرها، يتصورها، يلبسها اللباس الذي يشتهيه... العربي يغضب حين ينبغي ان يهدأ ويهدأ حين يجب ان يغضب. العربي يعتقد انه يقابل اللطمة بالاحتجاج ويقابل النصيحة باللطمة. والعربي يعتقد أنه بقدر ما يكون رد فعله منفعلا وصاخبا بقدر ما يكون فعالا وقادرا على مواجهة الموقف. مشكلتنا اننا نقلنا قصص عنترة وحاتم الطائي الى مسرح السياسة الدولية، ويضيف في استرسال في الوصف قائلا: "ردود الفعل العربية عاطفية والعاطفة كل عاطفة، شعور لا يمكن الاعتماد عليه في المدى البعيد" شعور يفور ثم يهدأ يزأر ثم يصمت، ينفجر ثم يتلاشى كالفقاقيع من على وجه الماء. العاطفة غير صالحة الا لصوغ القوافي والملاحم الشعرية، وليس في وضع الاستراتيجيات ورسم الخطط ووضع الدراسات ورصد اتجاهات المستقبل. طالما رددنا على المصانع بالقصائد وعلى المنجزات بالخطب وعلى الجامعات بالمقاهي وعلى الخطط بالادعية وعلى العلم بالاحجبة وعلى التخطيط بالتخبط. لقد آن ان نتعلم فن ردود الفعل المنطقية ورد الفعل المنطقي يتطلب قبل كل شيء التفكير الهادئ المتزن وهذا التفكير يدرك ان المظاهرة لا تغرق البارجة والشجاعة لا تسكت صوت المدفع، واللعنات لا تصيب الطائرات فتسقطها. ويل لامة علماؤها الادباء، وعسكريوها الخطباء ومهندسوها قارئو الكف، ويل لأمة تمجد الجدال وتنفر من الباحث وتطرب للاشعار وتهرب من البحث العلمي. ما رأيكم في كلام اديبنا الا تعتقدون ان كلامه صائب في تشخيص العالم العربي والشخصية العربية... عواطف في عواطف... بالامس مظاهرات تملأ العالم رفضا للبضائع الاميركية اليوم الكل نسي الموضوع وكل العالم يتعامل مع المنتجات ذاتها على رغم ان أميركا هي هي وشارون هو هو... لماذا؟ لاننا لا نناقش الامور من منطلق علمي أو استراتيجي. عالم مليء بالانتهاكات لحقوق الانسان وفيه حريات مصادرة وفيه مصالح دول وشركات عابرة للقارات وعولمة واقليات وأديان متنوعة ومجلس أمن وأمم متحدة وتحالف دول ومراكز قوى وتقاطع مصالح وسمسرة ومشروعات اقتصادية ومافيات و... لا يتعاطى معه بالعاطفة بل بالعقل

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 944 - الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً