مثلما تصلني آراء غاضبة على بعض الموضوعات تصلني أيضا آراء مؤيدة، الأمر الذي يشير إلى أن النقد الصحافي لا يمكن أن يصب في خانة الرضا التام أو الرفض التام، وهذا أمر طبيعي. الناس في تحسسهم من النقد مذاهب، فمنهم من يكون له هذا النقد نبراسا ينقله إلى واقع أفضل، ومنهم من يصنف صاحبه في خانة الأعداء الجدد! وذلك بسبب سحب العام "الظاهرة" على الخاص، والحساسية المفرطة من النقد لدى بعض المسئولين لا تعكس وضعا صحيا. ويعلم الله أننا حينما نسوق نقدا هنا أو هناك على هذه الجهة أو تلك، لا نهدف من ورائه تجريح الأشخاص أو التشهير بالمسئولين، وإنما نهدف إلى ترشيد المسيرة بإصلاح اسلوب ممارسات العمل العام اليومي، وهذه وجهة نظر تحتمل الصواب أو الخطأ، ولاسيما إذا جاء هذا النقد من كاتب يؤمن إيمانا مطلقا بما قاله الشاعر: وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتبن بيدك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه كما يعلم الله أننا لا نشكك في نوايا المسئولين والعاملين المخلصين في هذا البلد، ولكن نختلف معهم في الاسلوب والطريقة التي يمارسون مهمات عملهم بها في نطاق مسئوليتهم، وذلك أمر طبيعي، أما اعتبارهم الشخصي فهو مرفوع عن أي تجريح أو امتهان للكرامة، ولكن يحلو للبعض تقديم الولاءات والطعن في الآخرين بلا دليل سوى حاجة في أنفسهم، وبالتالي يقومون بتحريف المواضيع عن مسارها العام وفهمها بعقول ونوازع ودوافع سقيمة وعقيمة، لأغراض مختلفة ومتنوعة، ولا يعودون من وراء ذلك العمل إلا بالخيبة والحسرة والندامة، في الدنيا والآخرة. إن الحوار الهادئ والمنطق المسئول هو السبيل الأمثل للخروج من مختلف الأزمات والمآزق ولاسيما في القضايا المرتبطة بالدفاع عن مصالح مشتركة تخدم إدارة شئون منطقة محددة أو قطاع معين، فهل هذا المنطق حلم يصعب تحقيقه على أرض الواقع من قبل مختلف الأطراف؟ وخصوصا إذا أحسنا النوايا. لا اعتقد أن هناك ناقدا يزعم أنه يمتلك ناصية الحقيقة المطلقة والكمال فيما يأتي به من آراء واجتهادات، سواء قبلنا بها اسلوبا أو شكلا أو موضوعا أم لم نقبلها بالمطلق. وقد عاهدت نفسي عندما بدأت الكتابة على أن احترم عقول القراء، وأن أسعى مع زملائي في ميدان الصحافة للصالح العام، وأن أكون جنديا أمينا من جنود المشروع الإصلاحي الديمقراطي، وأعمل بنقد الواقع الاجتماعي والحراك السياسي في البلاد خدمة لإنسان هذه الأرض الطيبة، ومادام القصد والنية متجهين إلى إصلاح الممارسة وليس طعنا في الشخصية التي يجب أن تبقى في مقامها الرفيع مهما صدر من أفعال، فنحن نقوم بنقد سلوكيات العمل اليومي، أما الشخصيات فمكانها معلوم في قلوبنا وكرامتها محفوظة في نفوسنا، إذ يجب أن تبقى بعيدة عن أي تجريح. البعض سيقول: لماذا اعتذر فلان؟ وكأنهم فوق الاعتذار، لا أحد فوق الاعتذار، ومن هذا الإيمان النظري بهذا المبدأ نتحول إلى التطبيق العملي له وهو تقديم الاعتذار عن أية عبارة أو كلمة تم تفسيرها بغير ما كنا نقصدها، وليس بيدي إفهام أصحاب القلوب المريضة والمتربصين بمعنى كل كلمة أكتبها، فهؤلاء لهم نهجهم الخاص "الذي نعرفه جيدا" في تفسير جميع ما يكتب
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 944 - الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ