العدد 944 - الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ

مقترحات ماكينزي...كيف ستصلح ما أفسده التمييز؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

إن سياسة عدم التدخل في السوق، تجعل من الأيدي العاملة بضاعة تتعرض لقانون العرض والطلب، فكلما زاد عدد المعروض من القوة العاملة، انخفض الراتب المعروض للوظيفة. وفي بلد صغير كالبحرين، أن يترك باب استيراد القوة العاملة الأجنبية من دون قيود حقيقية، فإن المواطن مهما بلغت كفاءته لن يستطيع أن يغري صاحب العمل ليفضله على الآسيوي الذي يحمل الكفاءة نفسها، ومستعد للعمل تحت أي ظرف مهما كان صعبا وشاقا وغير إنساني، لأنه يحصل على راتب أضعاف ما يحصل عليه في بلده، وهو مستعد للعيش على أقل الزاد، والعمل طوال النهار، لأنه لا يملك حياة اجتماعية أو أسرية، فهل ذلك ما نريده من المواطن؟ وهل المطلوب من المواطن كل هذا الشقاء ليزداد ثراء فئة قليلة، تهيأت لها ظروف سابقة خالية من الانصاف لباقي الفئات، وكلما أتخمت من المال، زادت أنشطة التبذير والترف، وعلى المواطن البسيط أن يعمل بالسخرة حتى يكاد يعيش؟! منذ متى كانت المشكلة مشكلة مهارات وتعليم، وأفواج الطلبة تتخرج، فلا يحصلون على وظيفة هنا، ويأتي الاجانب بالمستوى التعليمي نفسه لينالوا أكثر مما يحلمون به. إن بداية الحل هي بالاعتراف بوجود المظالم الاجتماعية والتمييز في المعاملة بين فئات الشعب، أما نكران ذلك فيثير علامة استفهام كبيرة بشأن جدية الحل، ويهز الثقة بخطط ومشروعات الحكومة المقبلة. صحيح أن هناك علاقة بين زيادة الدخل والتعليم، فكلما زاد مستوى التعليم زاد دخل الفرد، ولكن السياسة العامة تحد من أثر ذلك في حق الفئات التي تعاني من التمييز. وهذا الأمر موجود حتى في الولايات المتحدة الأميركية، فالزنوج لم يرتفع مستوى دخولهم بالمستوى الذي يناله نظراؤهم من البيض مع أن التعليم واحد ومستوى الشهادة واحد، والسبب هو التمييز الذي يمارس ضدهم. في أيام أزمة التسعينات، كانت البرامج التي تمنح بموجبها جامعة البحرين البكالوريوس لتخريج المدرسين، مقررة بالاتفاق المسبق مع وزارة التربية، ولكن الذي كان يحدث هو تعريض الطالب لامتحانات تعجيزية من قبل وزارة التربية والتعليم لتحديد قبوله من عدمه في سلك التعليم. وصحيح أيضا، أن المشكلة الحقيقية، وسبب استمرار التخلف، هي انفصال العلم عن العمل، وان الكثير من الدول العربية والإسلامية لا ينقصها عدد المتعلمين والعلماء، ولكن ينقصها الإطار الذي تستثمر فيه هذه القدرات، والتي غالبا لا تجد لطاقاتها الهائلة من مكان مناسب لتطلقها إلا في البلاد المتقدمة. ولكن من الذي يتحمل مسئولية ما آلت إليه الأوضاع حاليا؟ أليست الحكومة التي كانت بيدها كل السلطات، وقامت منفردة بالتخطيط والتنفيذ، وهي التي كانت توفر المنح وتتحكم في البعثات؟ إنه بعد كل هذه السنوات من التعثر والفشل، وبعد أن تخطت البحرين المعدل العالمي للبطالة، وهو 15 في المئة لتصل نسبة البطالة إلى 16 في المئة، وبعد ما فاجأتنا به دراسة ماكينزي من بطالة محتملة قد تصل إلى 70000 عاطل عن العمل، بعد تسع سنوات من الآن في حال بقاء الحال على ما هو عليه، بعد كل ذلك مازالت الحكومة تتلكأ في إعطاء دور للناس بالمشاركة في القرار، والدليل ما نراه يوميا من معاناة أعضاء مجلس النواب من ضعف تعاون الحكومة معهم. كذلك، فإن تكن المسألة مسألة تعليم، فالدولة في الأوضاع الطبيعية، هي المسئولة بالدرجة الأولى عن توفير التعليم الملائم لمتطلبات السوق والإنتاج، لأن التعليم حكومي بالنسبة إلى غالبية السكان، وليس أهليا، وذلك منذ أن وضعت الدولة يدها على المدارس الأهلية في العام .1929 يقول حسن علي إبراهيم: "عندما تأكد الزعيم الهندي نهرو في الخمسينات، أن طريق خلاص الهند من أزماتها المستعصية، هو طريق العلم والبحث، أنشأ الكثير من المؤسسات التعليمية والبحثية ذات المستوى الرفيع، ووضعها تحت حمايته ورعايته الشخصية. وعندما كان الهنود يتحدثون عنها، كانوا يتندرون بإطلاقهم اسم البقرات المقدسة عليها. والمقصود هنا، هو حماية نهرو لها من الخصومات والمعارك السياسية والضغوط الاجتماعية التي تعاني مجتمعات العالم الثالث الكثير منها. لقد وضعت تلك المعاهد والمؤسسات العلمية القمر الهندي في الفضاء، وفجرت الذرة، ووفرت، ولأول مرة، فائضا في المادة الغذائية الرئيسية وهي الأرز، وأدخلت الهند نادي الدول الصناعية المتطورة". ومن اللافت للنظر، أن متوسط دخل الفرد في البحرين عال جدا، فهو يبلغ تقريبا 11767 دولارا سنويا، ولكن البحرين من الدول ذات التنمية البشرية العالية والتي لم تكن تزود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأرقام تعكس اللامساواة في الدخل أو الاستهلاك حتى العام ،2003 ففي صفحة 282 من تقرير التنمية البشرية للعام ،2003 لن تجد أرقاما عن نسبة أغنى 10 في المئة أو20 في المئة من السكان إلى أفقرهم، ودخل أو استهلاك أفقر 10 في المئة و20 في المئة من السكان، ودخل أو استهلاك أغنى 10 في المئة و20 في المئة. وهذا قد يعني أن هناك تفاوتا فاحشا بين طبقات المجتمع وفئاته، وان هناك عدم رغبة من قبل البعض في كشف فداحة هذا التفاوت. وليس مستبعدا أن تكون 80 في المئة من الثروة مكدسة في أيدي فئة قليلة قد لا تزيد على 20 في المئة. وهذا التفاوت معظمه نتيجة أوضاع سابقة، عانت فيها أكثرية الشعب من التمييز على مستوى التعليم والتدريب من حيث المنح والبعثات الدراسية، وقلة المساواة في الفرص الاقتصادية المتكافئة، وهو ما تكشف فجأة عن أن 90 في المئة من الأراضي ملك للقطاع الخاص، حتى أصبحت الدولة تشتري أراضي علية القوم، لتنشئ عليها خدمات وتوفر السكن للمواطنين. ونعيد تكرار هواجسنا وخوفنا من أن تنخفض المعيشة، وتضعف القوة الشرائية للمواطن، وتدخل أعداد كبيرة من الكادحين الصغار إلى حظيرة الفقر من وراء مثل هذه المقترحات وخصوصا مقترح فرض رسوم جديدة. ونتساءل: لماذا لا تبحرن بعض القطاعات والشركات التي تقدم فيها رواتب عالية للأجانب فضلا عن المواطنين، ولو في الوقت الحاضر، وعدم السماح لها بالاستمرار في العزوف عن توظيف المواطنين على أساس طائفي أو تمييز عرقي. فمازال يوجد بعض القطاعات التي ينبغي ويمكن الاستغناء فيها عن الأجانب، فلماذا لا يتم التركيز على بحرنتها وإصدار قانون يضع حدا أدنى للأجور فيها؟ إن من حق المواطن أن يطالب الجهات المعنية طمأنته، والإجابة على كل الإشكالات، وليكن للناس دور في مثل هذه القرارات الكبيرة، حتى يشاركوا بهمة في إنجاح هذه الحلول، فلا تنمية ولا تقدم والناس مغيبة آراؤها فيما يخص حياتها ويلامس مصالحها بشكل مباشر. * كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 944 - الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً