مسألة سلاح حزب الله أخذت تتحول إلى ذريعة تستخدمها "إسرائيل" لاستدراج مجموعة ضغوط دولية على لبنان. فكل الجهود الإسرائيلية تنصب في هذه الدائرة بهدف الانتقام من الحزب والثأر منه باستخدام الضغوط الخارجية أو تقويض علاقاته اللبنانية الداخلية. والأمر الثاني أخطر من الأول. فحزب الله يستطيع تحمل الضغوط الخارجية والتكيف معها والرد عليها. أما الضغوط الداخلية فهي الأصعب لأنها في النهاية تجرجر الحزب إلى لعبة معقدة في أرض لم يتعود السير في شبكة طرقاتها المذهبية والطائفية والمناطقية. وهذه ليست مشكلة حزب الله فقط، بل مشكلة كل الأحزاب العقائدية والمبدئية التي تنطلق من ثوابت لا تستطيع تغييرها بحسب الأجواء والأهواء. حزب الله يمر الآن في وضع صعب، لأنه مضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة لم يسبق ان تعرض لها منذ تأسيسه. فالحزب مهدد، وهناك فقرة في القرار 1559 تطالب بتجريده من السلاح. والأمر الأخير يعطي الكثير من الأسباب والمبررات للحزب للتحفظ على القرار ورفضه. كذلك يعطيه حق الدفاع عن تاريخه وهويته ودوره المميز وخصوصية صلته بموضوع الصراع العربي - الاسرائيلي وقضية فلسطين. المخاوف التي تحدث عنها الحزب صحيحة، ومطالبة أمينه العام السيدحسن نصرالله بالضمانات هي حق من حقوق طرف لبناني قدم التضحيات نيابة عن الشعب وهيئاته وقواه وأحزابه لمدة سنوات وصولا إلى تحرير الجنوب. وهذا ما حصل في مشهد لم تعرفه المنطقة منذ نصف قرن. حتى بعد التحرير أظهر الحزب حكمة في التعامل مع الانتصار وكذلك في احترام قواعد اللعبة الدولية. فالحزب أوقف عملياته العسكرية عند خطوط الهدنة مع "إسرائيل" ولم يتجاوزها. وهذا الأمر يؤكد أن الحزب يستطيع التمييز بين الحقوق الثابتة والمواقف المبدئية وبين ما تفرضه الأمم المتحدة من "شرعية دولية" ترسم للصراعات حدودها السياسية. التزم حزب الله خطوط التماس الدولية ولم يخترقها واكتفى بتسجيل عمليات محدودة وموسمية في مزارع شبعا باعتبارها منطقة لبنانية. وكانت العمليات في المزارع إشارة واضحة إلى أن المعركة لم تتوقف. سار حزب الله بين النقاط كما يقال، ونجح في تجاوز الكثير من حقول الألغام بشجاعته المعهودة. وهذه السياسة الدقيقة التي توفق بين الموقف المبدئي واحترام قواعد اللعبة الدولية أعطت الحزب المزيد من الاحترام العربي والثقة اللبنانية ونزعت في الآن من "إسرائيل" الذريعة لتكرار اعتداءاتها. فالعمليات المحدودة كانت تحصل في أرض هناك على الأقل اختلاف على تحديد هويتها. حتى بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ووصول جزار صبرا وشاتيلا وصديق جورج بوش إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية لم ينجح ارييل شارون في استغلال تحالفه مع بوش والتذرع بوجود مقاومة في المزارع لأخذ إشارة خضراء للرد أو تنفيذ اجتياح محدود. فالحزب فعلا نجح في تكبيل شارون وتقييد حركته العسكرية بسبب انتفاء الشروط الدولية بتغطية الهجوم، إضافة إلى انشغاله بالانتفاضة الفلسطينية. الآن تغيرت الأمور بعد صدور القرار .1559 فأميركا نجحت بالتحالف مع فرنسا في تعديل قواعد اللعبة لمصلحة "إسرائيل" حين أقرت مطالب شارون المتعلقة بسلاح حزب الله والمخيمات الفلسطينية. وما يزيد الطين بلة هو انحياز الأمم المتحدة لموقف تل أبيب في نفي لبنانية مزارع شبعا والتأكيد على سوريتها. هذا المناخ الجديد وضع حزب الله في موقع حرج، فهو لا يستطيع التخلي عن موقفه المبدئي، ويصعب عليه التراجع عن ثوابته، الأمر الذي قد يدفع لبنان نحو مواجهة ساخنة بذريعة أنه البلد العربي الوحيد الذي يتمرد على الشرعية الدولية وقراراتها. هناك مسألة واحدة تساعد لبنان مؤقتا على تجنب مواجهة ساخنة وتسعف حزب الله في هذه اللحظة الحرجة، وهي ان توضح دمشق موقفها الملتبس من موضوع هوية مزارع شبعا. فجلاء الموضوع دوليا يعطي ذريعة للحزب بحمل سلاحه ويساعد لبنان على تغطية موقفه بشرعية الأمم المتحدة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 944 - الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ