بعد ظهور حال من التقارب الخليجي - الإيراني منذ بداية النصف الثاني من عقد التسعينات الماضي، وتميز العلاقات الخليجية - الإيرانية لتكون في أفضل مراحلها تاريخيا، يبدو أن هناك ترتيبات معينة وأهدافا قد تكون استراتيجية أو مرحلية، إلا أنها بحاجة إلى وقفات. فالعلاقات بين الطرفين أصبحت اليوم اقتصادية أكثر منها في أي مجال آخر، وقد تكون هذه الحقيقة إيجابية في العلاقات الإقليمية، ولكنها على المدى المتوسط والبعيد ستكون سلبية، لأنه لابد من أن يكون هناك شكل من أشكال التوازن في العلاقات في شتى المجالات، بحيث لا يطغى الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي، كل منهما مكمل للآخر. وما يدفع للقول بذلك قضية الملف النووي الإيراني، فمنذ إثارة الولايات المتحدة و"إسرائيل" هذا الملف مازالت بلدان مجلس التعاون بعيدة عن اتخاذ أية مواقف صريحة وواضحة تجاه هذا الملف الحساس، وقد يعود الجفاء لمسألة الملف النووي الإيراني بالدرجة الأولى إلى العلاقات الخليجية - الأميركية، وإلى المصالح الأميركية الموجودة في بلدان مجلس التعاون، وإمكان تأثير مواقفها على هذه العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن. وهذا أمر يمكن معالجته بأسلوب دبلوماسي - على الأقل - عبر دفع مجلس التعاون كمنظمة إقليمية لاتخاذ موقف صريح تجاه هذا الموضوع من دون أن يكون الموقف باسم دولة معينة عضو في مجلس التعاون. إلا أنه بالمقابل فإن موضوع الملف النووي الإيراني تقع مسئوليته بالدرجة الأولى على الحكومة الإيرانية، وبإمكانها أن توجه دبلوماسيتها النشطة إلى بلدان المجلس لخلق شكل من أشكال التضامن أو استصدار مواقف واضحة. وثمة تساؤل في هذا الصدد بشأن عدم اهتمام الدبلوماسية الإيرانية ببلدان مجلس التعاون الخليجي في موضوع الملف النووي الإيراني، ففي الوقت الذي حرصت فيه الدبلوماسية على إنشاء تحالفات مؤقتة في هذا الموضوع من أقصى شرق آسيا إلى جنوب أميركا اللاتينية فإنها لم تعر بلدان المجلس أدنى اهتمام. وبرصد نشاط الدبلوماسية الإيرانية منذ مطلع فبراير/ شباط الماضي وحتى الأسبوع الحالي ستتضح هذه الحقيقة، وهي أن بلدان المجلس لم تكن أبدا في محور الاهتمام الإيراني بشأن ملفها النووي. فقد زار الرئيس الإيراني سيدمحمد خاتمي خلال هذه الفترة كلا من كرواتيا والبوسنة وفنزويلا والنمسا، ومن المقرر أن يزور فرنسا، أما وزير الخارجية كمال خرازي فقد قام بزيارات إلى كل من الهند ولوكسمبورغ والمجر وألمانيا وسورية. وزار وزير الدفاع الأدميرال علي شمخاني الجزائر وتركيا. وزار وزير الداخلية عبدالواحد موسوي لاري أفغانستان، وزار أيضا وزير التجارة محمد شريعتمداري اليابان. فيما زار أمين المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني كلا من روسيا والجزائر وتونس، بالإضافة إلى زيارة رئيس مجلس الشورى الإسلامي غلام علي حداد عادل للهند. من واقع التحركات السابقة يتأكد الغياب التام لبلدان مجلس التعاون في الملف النووي الإيراني. ويمكن تفسير هذا الغياب بتحليلين: الأول: عدم اهتمام بلدان مجلس التعاون بالملف النووي الإيراني يعود لاعتقادها بالنوايا السلمية للبرنامج النووي. الثاني: تزايد مخاوف بلدان مجلس التعاون من أن تتعرض لضربات عسكرية إيرانية في ضوء احتمال قيام القوات الأميركية الموجودة في بلدان المجلس بتوجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. واقع العلاقات الخليجية - الإيرانية أصبح حساسا للغاية، ولابد لبلدان مجلس التعاون من الإسراع في بلورة مرئيات وسياسة واضحة تجاهه قبل أن يتطور من نزاع دبلوماسي إلى نزاع عسكري وتكون الضحية بلدان المجلس
العدد 943 - الثلثاء 05 أبريل 2005م الموافق 25 صفر 1426هـ