العدد 943 - الثلثاء 05 أبريل 2005م الموافق 25 صفر 1426هـ

لماذا رجم عبدالناصر وقباني وهيكل؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

نحن نعاني في عالمنا العربي من المبالغة. إذا كرهنا كرهنا بعنف وإذا أحببنا أحببنا بعنف، انصاف الآلهة كثيرون ويختلط بين كل ذلك ميول متنوع... أحيانا نجد أمة بأكملها محسودة، وأحيانا نجد دولة وأحيانا أفرادا، وإذا رأيت مقاولا ناجحا ستعرف أنه محاط بشلة تأكل لحمه نيا كل يوم، وإذا رأيت طبيبا متميزا على أقرانه ستجد هناك طبيبا من المهنة ذاتها يزرع له ألغاما في طريقه... وإذا توسمت لاعبا محترفا ستجده مشنوقا كل يوم على أعمدة الصحافة. قلما تدخل إدارة في أية مؤسسة لا تجد فيها أناسا منشغلين بتوافه الأمور وكيف يزرعون المكايد لأقرانهم. أقول ذلك لأني أشعر به كثيرا من الرسائل التي تصلنا بين فترة وأخرى للعمليات الكيدية التي تحدث بين أصحاب المهنة الواحدة في المؤسسات، والشكاوى متنوعة... مقاول محسود، تاجر يتمنى أصحابه انكساره... مدير تحاك ضده الوشايات، وهكذا هي العملية بين بني البشر. لا أريد أن أعلق كثيرا فاليوم يوم راحة أدبية... دعونا نسلي أنفسنا بشكاوى المتميزين الذين طالما تعرضوا لذلك اختلفنا معهم أو التقينا. جهاد فاضل ناقد أدبي أشبع نزار قباني عضا ولطما وضربا بعد أن كان يرشه يوميا بماء الورد في الصحافة فألف فيه كتابا أسماه "نزار قباني... الوجه الآخر". سئل نزار، هل يضيق صدرك عادة بالنقد؟ فقال: "الصفعات هي الوجه الآخر للقبلات... إنني لا أشعر أنني على قيد الحياة إلا حين تتساقط الحجارة على زجاج نافذتي. وفي هذه اللحظة أشعر أن جرعة الشعر التي أعطيتها للناس بدأت تتفاعل في دورتهم الدموية... وان الزلزال الذي كنت أحتفظ به في داخلي قد انتقل إليهم. عندما أنشر قصيدة ولا يرجمونني بسببها أشعر أنني مريض وتبدأ حرارتي بالارتفاع... ان الشتيمة في العالم الثالث لا تعني أنك فشلت وإنما تعني أنك تفوقت...". وفي رد آخر: "إنني أسمع جيدا من ينقذني بحضارة. أما صراخ المتوحشين فلا أسمعه"، "النقد في بلادنا أو أكثره أصبح ككل المذابح السياسية والطائفية... تستعمل فيه أخطر وأقذر أنواع الأسلحة". الأمر ذاته تنسجه أصابع الأديب الساخر محمد الماغوط. يقول في كتابه "سأخون وطني": "مشكلة العرب هي الحسد... في النقل العام الواقفون ينظرون بعين الحسد للجالسين على المقاعد... مشكلتنا اننا كعرب نحسد الجالس ولو كان جالسا على كرسي تواليت". أما العالم السوسيولوجي علي الوردي فهو يرى أن الحسد طبيعة بشرية ويأتي دور الممثل في تهذيبها. في تحليل العلاقات الاجتماعية تجد من أقرب الناس إلى الإنسان الناجح يحسدونه على ذلك، عندما تغيب الأخلاق والمثل، التاجر يحسد التاجر والوزير يسب الوزير في الخفاء ويوزع على أقرانه أكياس ابتسامات كل صباح، وبائع الخس يحسد بائع الخس وما بينهما أناس أكبر من ذلك لأن كبار النفوس لا يحسدون. وليس شرطا أن من يدق لك الطبول يحبك، وقديما قيل "متى يمتلئ جرابك بالتين يسع الجميع إلى صداقتك وتدوم الصداقة ما دام الوعاء يغلي". هناك بشر يسمون بأعداء النجاح قال عنهم قباني "على الذين يكرهون الاستحمام كل يوم ويرفضون ارتداء الملابس النظيفة كل يوم أن يعودوا للغابة". عندما نفتش عن الشخصيات الكبيرة في تاريخنا الإسلامي والسياسي نجدهم دائما مصلوبين أو مؤلهين ولا وسطية في ذلك. بدوي الجبل كتب في جمال عبدالناصر قصيدتين "كافور" والثانية "فرعون" فقال فيه سنة 1966: فرعون ذل به اليهود وأنت عز بك اليهود طامن غرورك لم تدم عاد ولا بقيت ثمود تتناهب الأشلاء نومك والعواصف والرعود وهواجس اليمن السعيد ورجك اليمن السعيد وراح شاعر آخر ليجعل عبدالناصر هو القدر قائلا: يا أمة تصنع الأقدار من دمها لا تيأسي ان عبدالناصر القدر لذلك لا نعجب للحملة الشرسة التي حملها الكاتب النشاشيبي على هيكل وعبدالناصر في مجلة "الحوادث" حينها. كان عبدالناصر يردد مقولات جميلة منها "اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم". كتاب "هيكل الحياة... الحرب... الحب" لعادل حمودة. أبوتمام كان يقول في الحساد ويصفهم أنهم: "كالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله" وهناك مثل صيني جميل يقول "يرى الحسود كل شيء ورديا عند الآخرين وأسود عنده". في العالم العربي هناك معارك حقيقية ومعارك مفتعلة تفتعل الغضب والغيرة تارة على دولة وتارة على زعيم ديني أو سياسي وتارة على أكاديمي، وهكذا. السادات كان يسمي هيكل والناصريين بأنهم "لصوص وحرامية" ذلك لأنه شعر ان عبدالناصر سرق كل الأضواء، وأروع ما قيل في السادات بعد قتله بعد أن لم يترك معه ناصرا أو أحدا "انه مات عندما مات". هؤلاء يسمون بـ "فرسان الساحات الخالية"... هؤلاء الذين يريدون أن يخلقوا الوشاية بين السلطة والمجتمع يقول عنهم هيكل "انهم فرسان الساحات الخالية هؤلاء الذين يرمرحون في ميادين يعرفون مقدما انه ليس فيها "عدو" وبالتالي ليس عليها قتال" "أحاديث في العاصفة". أحيانا العداء يأتي من الأخ إذا بلغ التنافس بلا قيم. ألا تجدون ان كثيرا ما فرق الميراث بين الاخوان؟ أحيانا تصل المواجهة إلى عقدة تسمى في علم النفس بـ "السادية" وهي التلذذ بإيقاع الألم على الآخر. في حروب الشخصيات العامة كل شيء مباح لتحطيمها بما في ذلك الزوجة والأولاد وهي لعبة لعبتها المخابرات العربية بإتقان وحتى الموساد الاسرائيلي. ويقال: الإشاعة أقوى من الحقيقة. وكم في تاريخنا من شخصيات ومجتمعات ذبحت على مذبح التاريخ برؤى عصابية نمطية. وبين أيدينا شعوب احتقرت... السود في جنوب إفريقيا... الزنوج في أميركا... الأكراد عند العرب، وهكذا هي العملية. لنعرف العقل الجمعي وكيف يصاغ الرأي العام تجاه الآخر، ألا تعتقدون بصحة المقولة: "لو أن مئة اتفقوا على أن عاقلا أحمق لصار كذلك"؟ طبعا الإسلام هذب العرب في خصامهم، ولكنهم لم يستفيدوا إلا قليلا. السؤال: كيف نعرض أنفسنا عند الآخرين ليحبوا إسلامنا؟ أي كيف نضع مكانا متميزا وسط الآخرين وهو ما يطلق عليه خبراء إدارة الحوار "فن بيع نفسك للآخرين". رأى أعرابي أعرابيا يأكل خروفا بغضب فقال له: "أراك تأكله بغضب كأن أمه نطحتك"، فرد عليه بقسوة "وأراك تشفق عليه كأن أمه رضعتك". حوار الاعرابيين مازال يدور في العقلية الشرقية

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 943 - الثلثاء 05 أبريل 2005م الموافق 25 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً