يعتبر القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي أخيرا فيما يتعلق بمحاكمة المتهمين بانتهاكات في إقليم دارفور بغرب السودان صورة جلية لازدواجية المعايير في المجتمع الدولي. إذ حدث إعفاء للولايات المتحدة من ملاحقة مواطنيها والرعايا الأجانب في السودان الذين ينتمون إلى دول لا تعد طرفا في المحكمة وهو ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة واتفاق روما والقوانين الدولية الأخرى. وعلى رغم أن الجميع يتفقون على ضرورة محاكمة المجرمين في الإقليم لكن يظل كل متهم بريئا حتى تثبت إدانته. بيد أن القرار الدولي ركز في حيثياته على المسئولين الحكوميين وعناصر الميليشيا الموالية للحكومة ولم يشر إلا لمما لأولئك المتهمين الحقيقيين الذين أشعلوا الفتنة في دارفور من الحركتين المتمردتين. إذ لم تقتصر جرائمهم على حدود الإقليم بل تعدته إلى حرق قرى في الأقاليم المجاورة وقتل الأبرياء. ومن ازدواجية المعايير الدولية أن مجلس الأمن لم يحاسب واشنطن على قصفها لمصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم كما لم يحاسب المجلس المنظمات الكنسية التي اعترفت بأنها كانت تفبرك حكاية الرق في السودان علاوة على استغلالها للإغاثة لتوزيع الأسلحة على المتمردين الجنوبيين السابقين. إن المجتمع الدولي بدلا من أن يكافئ الحكومة السودانية على تكبدها المشاق وقبول الضغوط وتوقيع اتفاق نيفاشا الذي أعطى الجنوبيين "مسيحيين وروحانيين" أكثر مما يستحقونه، يلوح بعصا العقوبات مرارا وتكرارا. ومن أشكال الازدواجية لدى الغرب أن تترك جميع شئون دارفور للاتحاد الإفريقي ولكن عندما نأتي المحاكمات التي فيها السيادة توكل إلى محكمة لم توقع الدولة على ميثاقها. أليس الأحرى اعتماد خطة الرئيس النيجيري أوباسانغو الداعية إلى عقد مصالحة بين القبائل في الإقليم من دون ان تغفل محاكمة المتهمين في إطار إفريقي وبحضور دولي وقد قبلت الخرطوم بذلك. إن مجلس الأمن بحاجة إلى محاكمة نفسه بدلا من محاكمة الآخرين خارج أوطانهم وبحاجة إلى تقييم سياسته تجاه المحكمة الدولية لضمان إعطاء الحياة السياسية أولوية حتى لا تصبح لاهاي سلاحا للقوى الكبرى للهيمنة والاستعمار الحديث للدول النامية
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 942 - الإثنين 04 أبريل 2005م الموافق 24 صفر 1426هـ