يعاني أغلب المحيطين بنا أنواعا مختلفة من آثار العنف أثناء صغرهم، فأشكال العنف التي عاناها جملة منهم لا تقتصر على العنف البدني فحسب، بل هي تمتد حتى إلى العنف النفسي الذي تمتد تبعاته إلى ما بعد الزواج والإنجاب وتنعكس وبحسب ثقافة الشخص على التعامل مع الزوجة والأبناء، بل حتى على المحيطين ممن حولهم (أنا وأنت).
أُناس عانوا التهميش في أُسرهم فتراهم يُمارسون هذا التهميش بفاعلية مُفرطة مع أبنائهم، وآخرون عانوا التطنيش وتراهم لا يتوانون عن ممارسته بشكل مُتقن مع أقرب الناس زوجة كانت أو أبناء، وإذا ما أراد الله أن يكون هذا مسئولا في مكان أو مديرا على إدارة فترى ضحاياه من الموظفين لا يمكن عدّهم، غيرهم من عانى الفقر ورأى تفاصيله بأم عينه، فتراه يتعامل مع المحيطين به وكأنهم هم السبب في فقره!
فالسؤال المُلح دائما، ألا يمكن أن يتعامل هؤلاء على العكس مما هم افتقدوه من حنان وعطف واحترام بأي نوع من أنواعه، ألا يمكن أن ينسوا مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه»؟ في هذه الحالات على الأقل وليحولها إلى فاقد الشيء مُحاولا إعطاءه مثلا، ألا يمكن أن يتعاملوا مع المحيطين ممن حولهم بطريقة نموذجية هم كانوا يحلمون بأن يُعاملوهم بها إرضاء لذاتهم على الأقل، وما ذنب المحيطين بعُقد وبلاوٍ عاشوها هم في صغرهم حتى يطبقوها أو يمارسوها كالانتقام منا في كبرهم!
أسئلة كثيرة تريد حلا، أعرف أن البعض يمارس هذا النقص بإيجابية، ولكن آخرين يمارسون السلبية بإتقان وحرفنة تحت شعار الخبرة المكتسبة ممن عذبوهم في صغرهم!
المشكلة أن النفس البشرية فيها قابلية كبيرة للتأثر (وبحسب الفرد) فإنه يسعى للحصول على أقرب فرصة للانتقام، وإن لم يجد فتجده ينتقم من نفسه.
كثيرون وصل بهم الهم إلى الجنون، وآخرون تسبب عليهم بدخول المصحات النفسية لتلقي العلاجات النفسية من مشكلات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل آخرون تسبب لهم بفشل في علاقات زوجية وفشل في تكوين صداقات وفشل في أعمال... باختصار فشل في الحياة بأكملها، فهل هو ذنبهم أنهم عاشوا بين أناس شعارهم «ظلمونا وسنظلم مثلما ظلمونا»؟!
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ