تسود المجالس البحرينية هذه الأيام، موجة من التذمر تشمل قضايا كثيرة، تبدأ بهموم المواطن العادي الشاملة لارتفاع كلفة العيش، وتعرج على افتقاد الأمن والطمأنينة، ولاتتوقف عند تأزم الوضع السياسي، ووصوله إلى حالة من الشلل شبه الدائم. ولو حاول مشاهد من الخارج أن يرسم معالم المرحلة الراهنة من خلال تصنيف تلك التذمرات في مجموعة محددة من الخانات لوجدها تتوزع على الفائات التالية:
1. في الفئة السياسية، سنجد المواطن يتأفف من تمزق صورة المشهد السياسي البحريني الذي بات مشتتا بين مجموعة من مراكز صنع القرار، تبدأ بالسلطة التشريعية التي تشرذمها الولاءات الطائفية التي تتمترس وراءها الكتل السياسية المختلفة، الأمر الذي بات يحول دون وصولها، كسلطة تشريعية تعالج القضايا
الاستراتيجية التي تهم الأمة، إلى موقف موحد متماسك من تلك القضايا الاستراتيجية، عوضا عن إنجرارها وراء مسائل من نوع «رفع الحماية النيابية»، واستهلاك قواها في الاتفاق على «رئاسة لجنة»، بل ويصل الأمر إلى الخلاف على قضايا من نوع «تشكيل وفد». يتوقف المواطن أيضا مليا عند العلاقة بين السلطتين:
التشريعية والتنفيذية، اللتين باتتا متناحرتين إلى درجة حولت البلاد إلى أكثر من دولة واحدة. حتى على مستوى العلاقات الدولية، هناك صراع على حضور البحرين في المحافل الدولية، وما ينبغي أن يقوله الوفد البحريني عند مشاركته في أية فعالية دولية.
2. في الفئة الاقتصادية، يبرز هنا بوضوح قلق المواطن من المستقبل المنظور الذي يتربص به، فمن جهة تطرق آذانه بشكل مستمر ومتتابع، أخبار الأوضاع السيئة التي تنتظر الشركات المحلية والإقليمية العاملة في البحرين، لكنه في الوقت ذاته، وبالقدر ذاته يتلقى سيلا من الوعود المعسولة المطمئنة المؤكدة «لاستقرار أوضاع البحرين الاقتصادية»، وعدم الحاجة «للقلق من ذيول الأزمة المالية» على الأوضاع الاقتصادية المحلية. وعلى المستوى الرسمي، لاتكف أجهزة الدولة عن التأكيد بأن لدى الدولة «كمية من السيولة النقدية» تحميها من أية أزمة اقتصادية محدقة بها. لكننا عندما نصل إلى مناقشة أوضاع دور الدولة في حل مشكلات
المواطن من توفير «الخدمات الصحية اللائقة»، وحل «المشكلات السكنية»، نجد الدولة تطالب الجميع، «بشد الأحزمة على البطون» نظرا «لتراجع أسعار النفط» ومراعاة «انعكاسات الأزمة المالية وذيولها». وكثيرا ما نسمع أو نشاهد الدعوات المنادية بشد الأحزمة على البطون ومراعاة تردي الخدمات أخذا بعين الاعتبار المرحلة التي تمر بها البحرين كغيرها من دول المنطقة.
3. في الفئة الاجتماعية، يجد المواطن، يلمس المواطن بشيء من الضبابية، عملية «التآكل البنيوي» الذي بدأ عملية «حت» شبه منهجية للطبقة الوسطى، قاذفة بالمزيد من فئاتها السفلى نحو مجتمعات الفقر، مما رفع من نسبة السكان الذين يعيشون تحت حزام الفقر بالمعايير العالمية المتعارف عليها. فبعد أن كانت هذه الطبقة تحتل مساحة واسعة من التركيبة السكانية، تشكل ما يشبه «الوسادة الأمنية» التي تؤمن استقرار المجتمع، أضحت اليوم، ضيقة إلى درجة عالية، مما بات يهدد بإشعال فتيل صراعات سياسية يصعب التكهن بانعكاساتها السايسية والأمنية.
4. في الفئة التشريعية، وبعد أن كانت البلاد، تسيرها قوانين وأنظمة، غير حائزة على رضا المواطن وموافقته، لكنها تبقى في نهاية الأمر، على عدم عدالتها، مرجعية للقياس، نجد اليوم حالة تقترب من التسيب، عند محاولة تطبيق القوانين المشرعة. يمكننا التدليل على ذلك بحالة «الشلل شبه الكامل» عندما يتعلق الأمر
بمعالجة أي من الحالات السياسية التي هي الآن معلقة. فبينما يصر المحامون عن المتهمين السياسيين، على عدم شرعية اعتقالهم أو استمرار توقيفهم، تتمسك الدولة بحقها في ذلك وشرعية الإجراءات المتخذة لتطبيق تلك الشرعية. والنتيجة ضياع المواطن بين رغبته في تصديق ادعاءات الدولة، وتعاطفه مع تصريحات المحامين.
البعض منا يعتبر هذه الحالة الهلامية غير المستقرة مرحلة انتقالية ضرورية لابد وأن يمر بها المجتمع البحريني، شأنه في ذلك شأن أي مجتمع يحاول أن يمر من فوهة زجاجة مجتمع كانت تسيره آليات وقوانين جائرة من نمط قانون أمن الدولة، إلى مجتمع مدني متحضر تسوده قوانين تستند إلى تشريعات سنتها مؤسسات وضعت على نفسها مهمة ذلك التحول.
لكن هناك بعضا آخر، يرى في الاستمرار في هذه الحالة، بمثابة هدر ملموس، وعينا ذلك أم جهلناه، لموارد البلاد، بغض النظر عن الخانة التي تحتلها، سواء كان ذلك بين صفوف المعارضة، أو في مؤسسات الدولة وإداراتها. ويضيف هذا البعض، أن الموقف
الصحيح، حتى في المراحل الانتقالية، هو القرارت الحازمة التي تضمن السير على طريق حل المشكلات، والتصدي للتحديات من خلال التطبيق الصارم للقوانين والأنظمة، على أن يتم ذلك دون التفريط، بأي شكل من الأشكال، بسيادة التشريع، بما في ذلك
الدستور، وتطبيق القوانين.
أما المواطن العادي البسيط، فكل ما يتمناه ويصبو إليه، هو العيش في مجتمع تتوفر فيه الحياة الكريمة المطمئنة لمواطنيه، الذي يريدون أن يتحقق ذلك سوية مع قوانين عادلة تنظم حياتهم، وأنظمة مدنية تسير أمورهم.
فئة ضئيلة من المواطنين تهمهم الأمور السياسية، ونسبة قليلة من تلك الفئة تريد أن تمارس دورا سياسيا، أما الغالبية العظمى، فبغض النظر عن كونها تمر بمرحلة انتقالية أم سواها، فكل ما تنتظره هو لقمة عيش كريمة ومستوى إنساني لائق للحياة، ولا شيء أكثر من ذلك.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ