العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ

طريق المواطنة الكاملة... «مواطنون لا رعايا» (2 - 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

برغم كل الجدل الدائر حول ميثاق العمل الوطني من حيث اعتباره وثيقة تعاقدية ملزمة للحكم والشعب معا، والتفسير الأحادي الجانب من قبل الحكم لفحواه، فإن الميثاق يبشرنا ونحن في مطلع الألفية الثالثة «بالانتقال إلى دولة عصرية استكملت كل أطرها السياسية والدستورية للتفاعل مع كل المستجدات المحلية والإقليمية والدولية». وأن هوية الدولة تأكيدا على النظام الملكي الوراثي الدستوري الديمقراطي، أي أن الميثاق يبشرنا بتطور حاسم في بنية الدولة وعقيدتها بما يعزز المواطنة المتساوية بمفاهيم العصر بما تتضمنه من منظومة حقوق ذات معاير دولية، لكن الحكم وكما نعرف فقد وظف الميثاق والشرعية الشعبية التي أقرته بأغلبية ساحقة 98.4 في المئة من أصوات الناخبين رجالا ونساء، لإحداث تغيير على دستور 1973، ولإصدار دستور 2002 والذي يعتبر أقل من السابق فيما يخص بالحقوق الملازمة للمواطنة، وللسلطات المناطة بالشعب «مصدر السيادة والسلطات جميعا» كما يعبر عنها بالسلطة التشريعية المنتخبة، ليؤسس لنظام حكم تتراتب فيه السلطات والقوة كما يلي الملك، السلطة التنفيذية، مجلس الشورى وأخيرا مجلس النواب، حيث جرى إضعاف سلطة الشعب كثيرا وتقوية السلطة التنفيذية وسلطة مجلس الشورى المعين من قبل الحكم والذي سلب نصف صلاحيات السلطة التشريعية.

الميثاق فرصة أخرى

على امتداد السنوات الثمان منذ صدر الميثاق، أي مرحلة العهد الجديد، فإن بعض الحقوق والحريات المرتبطة بالمواطنة قد تحققت ومنها حرية العمل والانتماء السياسي والنقابي والأهلي، وحرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي وحق ممارسة الترشيح والانتخاب للمجلس النيابي والمجالس البلدية ومشاركة المرأة إلى جانب الرجل في هذه الحقوق وتوسيع قاعدة الناخبين بتخفيض سن الانتخاب إلى 20 عاما بدلا من 21 عاما، لكن تنظيم هذه الحقوق كرس تمايزا فيما بين المواطنين في ممارسة الانتخاب بعيدا عن قاعدة العدالة والمواطنة المتساوية.

لكنه ورغم محدودية ما توفر من حقوق وضمانات وحريات للمواطن وللشعب، فإنه يجري باضطراد قضم هذه الحقوق والضمانات وتهبيط سقف الحريات من خلال التشريعات الجديدة وممارسات أجهزة الدولة خلافا حتى للتشريعات النافذة أو تفسيرا تعسفيا لها. أما على صعيد سياسات وتوجهات وممارسات الحكم والدولة فإنه جرى تراجع في الحقوق الاقتصادية والحق في العمل بفعل السياسات الليبرالية الجديدة وتخلي الدولة عن بعض مسئولياتها تجاه المواطن، وسياسة الخصخصة وتحرير سوق العمل، كما أن مزيجا من احتكار السلطة والثروة في ظل سياسات ليبرالية جديدة، قد عزز من الامتيازات في مواقع السلطة وضاعف من ثروات النخبة الحاكمة وتملكها للأراضي والسواحل فيما تراجعت مواقع العامة في مواقع السلطة ونصيبهم من الثروة والأرض، وبهذا ازدادت الهوة ما بين من يملكون ويحكمون وبين من لا يملكون ولا يحكمون، وترسخت دولة يسودها نظام الامتيازات والتمايزات والتمييز. وقد أسهم ذلك إلى جانب التجنيس السياسي الواسع في خلخلة التماسك الشعبي وإضعاف الشعور بالمواطنة والانتماء.

إن للدولة دورا حاسما في تعزيز أو إضعاف المواطنة والشعور بها. فكلما كانت الدولة، دولة مؤسسات وقانون، تؤمن لأبناء الشعب حاجاتهم في إطار القانون والعدل والحيادية، وكلما كانت الدولة تعكس إرادة الشعب فإن المواطنة تتعزز والمواطنة المتساوية تتعزز، ولكن في ظل النظام السائد في البحرين، فإن بنيه الدولة أصلا لا تعكس الإرادة الشعبية بل هي بنية مفروضة على الشعب، وحيز للامتيازات خلافا لما نص علية الدستور في المادة (16) فيما يتعلق بالوظائف العامة، فلم تعد مؤسسات الدولة هي الوسيلة الأفضل لحصول المواطن العادي على حقوقه من الخدمات وغيرها، بل إن هذه الحقوق ليست مضمونه بالوسائل المشروعة ومن خلال القوانين والأنظمة.

إن النظام الذي يجري تكريسه هو نظام المكرمات المقدمة للأفراد والمجموعات من خلال الوجهاء والوسطاء وليس من خلال المجالس البلدية أو الوزارات الخدمية مثلا سواء تعلق الأمر بوظيفة أو منزل إسكان أو مقر جمعية مقابل تأكيد الولاء للحكم وهذا بدوره يفرز شعورا بالدونية وإضعافا لشعور المواطنة وتعزيز الروح وسلوك الرعية، مقابل الراعي، ذلك لا يقتصر على الهبات المادية، بل ويتوسع ليشمل التشريعات وإسباغ بعض الحقوق أو سلبها أو منح عفو عن حكم، بأوامر وتوجيهات عليا.

لقد عالج أكاديميون معضلة ثنائية الدولة والقبيلة (فؤاد إسحاق خوري) وثنائية التقليدين والحداثة في بناء الدولة والمجتمع (إميل نخلة)، وبناء الدولة في البحرين، المهمة غير المنجزة (عبدالهادي خلف)، كما ناقش باقر النجار وخلدون النقيب وغيرهم تشريحا لبنية الدولة الخليجية والمجتمع الخليجي في إطار هيمنة الدولة الريعية على المجتمع مما يؤدي تفتيته وإضعاف حس المواطنة وتعزيز حس الرعية.


المواطنة والهوية

إن الارتباط بين المواطنة والهوية هو ترابط وثيق وسببي، ورغم الاتجاه العام بتعقد الهوية وتعدد أبعادها ومكوناتها، فإنه من المؤكد أن الهوية مكون أساسي للمواطنة، والمواطنة بدورها تعزز هوية أي شعب.

من هنا فإن إضعاف الهوية الوطنية من خلال الانتماءات القبلية والعشائرية والمذهبية، يسهم في إضعاف الانتماء الوطني وشعور المواطنة وعلى عكس الاندماج الوطني من خلال الانتماء لمؤسسات حديثة مثل الأحزاب والنقابات والجمعيات على أساس وطني، والخدمة العامة في مؤسسات الدولة والذي يعزز روح المواطنة والانتماء للوطن، في حين أن تعزيز القبلية والطائفية والاعتراف والتعاطي مع مؤسساتها وقيادتها، والمحاصصة الطائفية والقبلية في أجهزة الدولة، يضعف روح المواطنة والانتماء إلى الوطن.

إن أخطر ما يتهدد روح المواطنة والانتماء إلى الوطن هو سياسة التمييز الممنهجة ووجهها الآخر الامتيازات الممنهجة للقلة، بحيث نعاني استقطابات طائفية وقبلية يتم الاعتراف وتعاطي الدولة مع مؤسساتها وقياداتها، والخطر الجديد هو إضافة ما أطلق عليه الباحث عبدالله جناحي «الطائفة الثالثة» من المجنسين لتضاف إلى الطائفتين، وهذه الطائفة مقحمة في نسيج المجتمع البحريني وغريبة عنه.

وإذا كان أبناء البحرين ممن ينتمون إلى الطائفتين الشيعية والسنية والقوميتين العربية والفارسية، ومختلف العشائر والعائلات الممتدة والأصول قد أظهروا قدرة على الاندماج والتوحد في منعطفات حاسمة كالاستفتاء على الاستقلال وعلى الميثاق كوثيقة مرجوة للإصلاح والديمقراطية، فإن اندماج الطائفة الثالثة أصعب بكثير في ضوء التوظيف الرسمي لها في إضعاف النسيج الوطني.

إن دور الدولة الريعية التسلطية طاغ على المجتمع وبيدها الكثير لتوجيه المجتمع نحو التشرذم، ولكن بإمكان النخب الوطنية الواعية والتي إذا امتلكت مشروعا وطنيا وبرنامجا وطنيا وتحالفا وطنيا أن تقاوم مشروع التفتيت والشرذمة، وتعزز روح المواطنة وتناضل من أجل دولة وطنية ديمقراطية ولتكن ملكية ودستورية حقة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً