من خلال تواجدي في الجمهورية التركية هذا الصيف، اطلعت عن كثب على مراحل تطور التعليم العالي. المراحل التاريخية التي مر بها التعليم العالي تستحق الإمعان فيها لدولة حققت النجاح في هذا المضمار.
مراحل تطور التعليم العالي في تركيا يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل رئيسية:
الفترة الأولى تلت عقداً من الزمن من إعلان الجمهورية التركية من قبل مصطفى كمال أتاتورك، حيث لم يقتنع المجتمع بالمخرجات التعليمية للتعليم العالي من قبل «دار الفنون» في اسطنبول التي اعتمدت على التراث العثماني.
لمجابهة هذا التأخر العلمي، قام أتاتورك باستضافة البروفيسور السويسري ألفريد مالجيه وحدد له مهمة تطوير دار الفنون والتقدم بلائحة من التوصيات للوصول بالتعليم العالي الى مرتبة الجامعات الغربية.
توصل مالجيه الى الأسباب الرئيسية لانخفاض مستوى التعليم العالي في دار الفنون وقد أدى تقريره الى إغلاق دار الفنون للأبد من قبل البرلمان وإنشاء جامعة اسطنبول في العام 1933.
وجد مالجيه أن الإنتاج العلمي للهيئة الأكاديمية منخفض لأنهم يقضون عدة ساعات في حقل التدريس ومعظم الوقت في أنشطة غير تعليمية خارج الجامعة. السبب الآخر للتأخر كان تعيين الأساتذة، حيث لم يكن الإنصاف إحدى مفردات التعيين الداخلي.
أدى إنشاء جامعة اسطنبول الى تغيير تنظيم إدارة الجامعة، فرئيس تركيا هو الذي يعين رئيس الجامعة بعد ترشيحه من قبل وزير التعليم، والوزير هو الذي يعين عمداء الجامعة بعد ترشيحهم من قبل رئيس الجامعة.
صلاحيات رئيس الجامعة تنحصر في كل الأمور المتعلقة بالجامعة ما عدا تعيين الأساتذة وترقيتهم وهو من صلاحيات وزير التعليم. هذه التغييرات نجحت في الارتقاء بمستوى الجامعات، وخصوصاً من ناحية البحث العلمي.
في العام 1946، دخلت تركيا عصر تعدد الأحزاب وبالتالي تم وضع قانون جديد يتم فيه اختيار رئيس الجامعة والعمداء بالانتخاب من الهيئة الأكاديمية.
الأساتذة (البروفيسورات) يقومون بانتخاب رئيس جامعة كل عامين ويكون الرئيس من كلية مختلفة تباعاً.
في العام 1962، طلبت وزارة التخطيط أن تقوم الجامعات بزيادة طاقتها الاستيعابية لكن بسبب استقلالية الجامعات فقد رفضت تلك الجامعات هذا الطلب ما أدى الى فتح المزيد من الجامعات من قبل الحكومة.
في العام 1981، وجد أن عدد الأبحاث التي تم نشرها من قبل الأكاديميين الأتراك يقدر بـ 380 مقالة علمية، أما عدد الخريجيين كل عام فيقدر بـ 17 لكل 100 طالب وعدد الجامعات العامة فكان 19 جامعة.
هذا الضعف في المخرجات أدى الى مراجعة للنفس فتم إنشاء هيئة للتعليم العالي يتم انتخاب ثلثها من مجلس الجامعات التركية، وثلثها من وزارة التعليم، والثلث الأخير من رئيس تركيا.
النموذج الأميركي للتعليم العالي أثر على التجربة التركية؛ فالعديد من الجامعات الأميركية المشهورة مثل هارفارد وستانفورد ليست جامعات حكومية بل خاصة لكن ليست ربحية. لذلك فقد وافقت الحكومة على تغيير القوانين والسماح بإنشاء الجامعات الخاصة بشرط أن تكون غير ربحية وأن يكون مستوى التدريس والبحث يتوازى مع أقرب جامعة حكومية.
يبلغ عدد الجامعات في تركيا الآن نحو 115 جامعة منها 30 جامعة خاصة تخدم مليوناً ونصف المليون طالب.
بلغ عدد الأساتذة (مساعد، مشارك، وأستاذ) 37,700 في العام 2006 مقارنة بـ 4,047 في العام 1979.
هذا الحراك أدى الى وصول عدد المقالات العلمية التي تم نشرها في المجلات العلمية الى 16,266 لتصل الى المرتبة الثامنة من ناحية الإنتاج العلمي في العام 2005.
من خلال زيارتي لجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، قمت بالمرور بمبنى النانوتكنولوجي، حيث حصل القسم الجديد على أموال من الاتحاد الأوروبي لتجهيزه وتدريب عناصره.
الحكومة التركية تعلم يقيناً أن خططها للانضمام الى الاتحاد الأوروبي يتحتم عليها أن تتضمن الاهتمام بالتعليم العالي لتجهيز مواردها البشرية للتنافس في بلدان أكثر تفوقاً.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2892 - الجمعة 06 أغسطس 2010م الموافق 24 شعبان 1431هـ
turkey and egypt
هما هيطلعوا فوق و احنا هننزل تحت