نجح وارين بافيت وبيل غيتس في إقناع 30 مليارديراً أميركياً جديداً بالتعهد بوهب «نصف ثرواتهم على الأقل لأعمال الخير»، هذا الالتزام الذي تطور كي يتحول إلى مؤسسة أصبحت تعرف باسم «التعهد بالعطاء» (Giving Pledge)، التي أصبح لها موقعاً إلكترونياً خاصاً بها هو (www.givingpledge.org). ومن يزور الموقع يجد نكهة خاصة فيما دوّنه كل واحد منهم في ذلك الموقع، كي يروي قصة ما تشرح، بالإضافة إلى النبذة القصيرة للسيرة الذاتية للملتزم بالإحسان، علاقة المتعهد برحلته مع قافلة الخير. وارن بافيت على سبيل المثال يقول في كلمته على الموقع إنه «لا يمكن أن تغمره سعادة أكثر مما يشعر بها الآن».
أما رئيس مجلس إدارة شركة ريفلون للمنتجات إلا استهلاكية رونالد أو. بيريلمان (Ronald O. Perelman)، وهي الشركة التي تقوم، ومن خلال شركاتها التابعة أيضاً، بتصنيع وتسويق وبيع مجموعة واسعة من مستحضرات التجميل، وأصباغ الشعر وأدوات، وأدوات التجميل والعطور ومستحضرات العناية بالبشرة، فنجده يقول في كلمته التي نشرها الموقع «من أسعد لحظات حياتي التي لا تنسى، تلك الليلة التي التي دعيت فيها إلى حفل عشاء خيري لمكافحة أسباب الإصابة بأمراض السرطان، عندما اقتربت مني سيدة كي تهمس في أذني أردت فقط أن أقول لك شكراً لأنك أنقذت حياة أختي التي كانت تعاني من هذا المرض».
أما أحد المؤسسين لشركة «أوراكل» ورئيسها التنفيذي لاري أليسون « Larry Ellison»، فيقول في رسالته القصيرة المعبرة «قبل عدة سنوات وضعت جميع أصول ممتلكاتي تقريباً في وقف، وكان في نيتي حينها أن أتخلى عما لا يقل عن 95 في المئة من تلك الثروة لأعمال الخير. ولقد نجحت، خلال السنوات الماضية، في أن أهب مئات الملايين من الدولارات للإنفاق على الأبحاث الطبية والتعليم. وقد قمت بذلك في هدوء ودون أي ضجيج. واليوم لدي النية في أن أضيف مليارات الدولار في الطريق ذاتها. لكن ما الذي يدفعني اليوم للإفصاح عن ذلك علناً. أنا أقوم بذلك استجابة لطلب صديقي وارن بافيت الذي أصر على ذلك كي أكون قدوة يحتذى بها، وأنا أشاركه الرأي، واعتقد أنه على حق فيما يدعو إليه».
أما مؤسس شركة مايكروسوفت ورئيسها التنفيذي بل غيتس الذي ينفق أيضاً، سوية مع شريكة حياته مليندا على مؤسسة للأعمال الخيرية فتقول رسالتهما المشتركة على الموقع «يبذل جميع الآباء والأمهات في العالم قاطبة قصارى جهودهم كي يوفروا لأبنائهم أعظم فرص النجاح، وكي يفتحوا أمامهم أبواب الطرق التي يمكن أن تحقق لهم أحلامهم الخاصة. لكننا لا نستطيع إلا أن نعترف أن كثيراً من آمال أولئك الوالدين تلك تحطمت على صخور الواقع. وقبل سنوات حينما أتيحت لنا (يقصد زوجته ميليندا أيضاً) فرصة الإطلاع على المزيد من الأوضاع الصحية في العالم، أصبنا بصدمة قوية، حينما عرفنا أن أحد الأمراض التي يمكن الوقاية منه، وبدرجة عالية والذي يسببه فيروس الروتا، يؤدي إلى حصد أرواح نصف مليون طفل كل عام. لقد خصصت نسبة عالية من الأصول التي نقدمها، أنا وزوجتي لمؤسسة بيل وميليندا غيتس للمساعدة في وقف الوفيات التي يمكن تجنبها من أمثال تلك الأمراض. كلانا يؤمن إيماناً عميقاً بأن الناس متساؤون من حيث القيمة التي ينبغي أن ينعموا بها، وأن من حق كل طفل أن ينال فرصة متساوية كي يترعرع متمسكاً بأحلامه الخاصة به، وأشياءه الكبيرة التي يطمح في تحقيقها».
زوجان آخران ينظمان للمجموعة المتعهدة بالعطاء هما (ميشيل شلن وباتريك سون شيونغ) « Michele Chan and Patrick Soon-Shiong»، وباتريك هو ابن المهاجر الصيني إلى جنوب إفريقيا أبان الحكم العنصري هناك، والذي مارس طب التداوي بالأعشاب، محاولاً أيضاً محاربة التمييز العنصري المتفشي في صفوف المجتمع الطبي حينها.
تقول رسالة باتريك وزوجته الممثلة ميشيل إن «حماسنا ومهمتنا هي إحداث نقلة في الخدمات الصحية والرعاية الصحية في الولايات المتحدة وخارج حدودها. هذا هو الهدف من وراء إنشاء مؤسستنا الخيرية العائلية. لقد أتاح لنا العيش والترعرع في جنوب إفريقيا خلال فترة حكم التمييز العنصري لمس عدم المساواة والتفرقة بشكل مباشر، بما في ذلك التمييز في الحصول على الرعاية الصحية أو نيل خدماتها. والعيش لما يزيد على ثلاثين سنة في الولايات المتحدة يجعلنا اليوم نلمس التمييز في هذه المجالات بين ظهرانينا وأمام أعيننا. ما كان غير معقول لدينا أو مقبول لنا في القرن العشرين في جنوب إفريقيا يتكرر اليوم في القرن الواحد والعشرين في الولايات المتحدة. ما نلتزم به اليوم، ومن خلال مؤسستنا الأسرية، هو إننا سنعمل على إزالة الفوارق في الرعاية الصحية، والقضاء عليها، والمساعدة على تحقيق نظام الرعاية الصحية الذي يهدف أولاً للحفاظ على الناس أصحاء، وثانياً لضمان وصول كل فرد إلى أفضل رعاية صحية جيدة ممكنة عند حاجته لها».
زيارة الموقع والإبحار على الصفحة التعريفية به تعطي الزائر فكرة واضحة عن الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها، إذ يؤكد «التعهد بالعطاء» على أنه يتيح الفرصة أمام «الأفراد والأسر الأكثر ثراء في الولايات المتحدة كي ينفقوا نسبة عالية من ثرواتهم في طرق الخير وأو يهبوها لمنظمات تقوم بأعمال الخير، ولهم كل الحق في تحديد القناة التي يختارونها بأنفسهم، سواء وهم على قيد الحياة أو بعد انتقالهم إلى الدار الآخرة. يتم ذلك بموجب اتفاق أخلاقي يقوم على الثقة المتبادلة التي لا يحكمها أي قانون».
هذه مقتطفات تكشف الأهداف والدوافع المختلفة التي تقف وراء هذا «التعهد». وكما هو واضح فإن البعض منها ولدته تجارب شخصية، حوّلها أفرادها إلى هموم عامة، سعوا إلى استئصال أسبابها. الأهم من ذلك كله أن العنصر الوحيد المشترك بينها هو فعل الخير، وبمبادرة من أفراد أو مؤسسات خاصة ليست لها علاقة من بعيد أو قريب بمؤسسات الدولة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2891 - الخميس 05 أغسطس 2010م الموافق 23 شعبان 1431هـ
!!!
ما شاء الله عليهم قمة في الأخلاق والتفكير المنطقي الواعي ،،،
هذا ما نسميه في ديننا الإسلامي التكافل الإجتماعي