العدد 2891 - الخميس 05 أغسطس 2010م الموافق 23 شعبان 1431هـ

حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب: المسيرة والاختلافات! (2-2)

comment [at] alwasatnews.com

هل تتماثل حقوق الإنسان في الإسلام، ومثيلتها في الإعلانات الغربية المتوالية بما يمكن الإنسانية من الاستغناء بأحدهما عن الآخر؟

أَمْ أن هناك اختلافات كثيرة تضع الإنسانية في موقف اختيار ضروري بينهما؟

الواقع أنه رغم كل الدعوات التي أخذت على عاتقها استخراج كل دعوة ادعاها الغرب في حقوق الإنسان من خلال النصوص الإسلامية، وصحة ذلك في كثير من الأحيان، إلا أن هناك الكثير من الاختلافات بينهما، ينبغي التوقف أمامها بتمعن ودقة ليمكننا ردُّ الحق لأهله:

الاختلاف الأول والأساسي، والذي ينبني عليه كثير من الفروقات هو ربانية المصدر في حقوق الإسلام، وهذه الربانية تجعل من حقوق الإنسان في الإسلام منحة إلهية، وبالتالي فهي حق للبشر لا يمكن لأحد سلبه منهم بأي حُجَّة؛ فاحترام حرية الفرد في الاعتقاد هو مبدأ إسلامي أصيل لا يمكن انتهاكه بدعوى أن الإسلام هو الدين الحق الوحيد (وذلك حق) الذي علينا أن نُدخِل الناس فيه، ومِن ثَمَّ يسعى البعض لإكراه غير المسلمين على الإسلام، أو الضغط عليهم؛ فهذا عمل غير مقبول إسلاميّاً، ويجرِّمه الإسلام ويُؤَثِّمه.

كما أن حرية الإنسان في التمتع بخصوصيته، وعدم انتهاكها بالتصنت عليه لا يستطيع أحد أن يُلغيها برغبة منه مهما كان قدره.

بينما عند الغرب لم يمنع ميثاق حقوق الإنسان الدولَ الموقعة عليه من إرسال بعثات التنصير إلى المناطق الفقيرة من العالم الإسلامي محمَّلة بالأموال الغزيرة، والمعونات الكثيرة؛ لاستغلال حاجة الفقراء، وإخراجهم من الإسلام، وإدخالهم المسيحية بإغراء المال، وهذا فيه ما فيه من إهدار لحق الإنسان في اختيار عقيدته بحرية، ولكن الميثاق البشري ليس له رصيد من الاحترام في النفوس.

كما وجدنا الولايات المتحدة الأميركية – المتذرعة دوماً بحقوق الإنسان – تصدر قانوناً يُسمَّى قانون الأدلة السرية، والذي يمكن بمقتضاه القبض على أي إنسان، واعتقاله دون تحقيق، ودون أدلة، ودون أن يعرف هو أو محاميه سبب الاعتقال.

كما وجدناها مع عدة دول أوروبية - من الموقعين على ميثاق حقوق الإنسان - تقوم بتعذيب المعتقلين المسلمين الأبرياء في سجون سرية، بالإضافة لغوانتنامو، وأبي غريب.

إن ميثاق حقوق الإنسان بالنسبة لهم لعبة ليس أكثر؛ لذا لا يحترمونه؛ وما ذاك إلا لأنه من وضع البشر، وليس له احترام كما في الإسلام.


عمومية الحقوق وشمولها

والمقصود بالعمومية هنا عمومية الزمان، وشمولية البشر؛ فالإسلام أقرَّ تلك الحقوق للإنسان في كل زمان، ولم يجعلها للمسلمين فقط، أو في زمان معين؛ فحرية العقيدة لا نطالب بها للمسلمين في بلاد الغرب فقط، بل للمسلم وغير المسلم؛ وهذا قول الله تعالى شاهد على ذلك: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(البقرة: 256)، يقول ابن جرير الطبري في سبب نزول الآية:»عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:كانت المرأة تكون مِقْلاتاً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أُجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار؛ فقالوا:لا ندع أبناءنا؛ فأنزل الله عز وجل:»لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ»؛ فرغم أنهم أبناء الأنصار، وقد أسلم آباؤهم، ولم يكن تهوّد الأبناء عن رغبة أو اقتناع، وإنما عن عادات جاهلية في التطيُّر أو التفاؤل؛ فإن الله عزَّ وجلَّّ حفظ حرية العقيدة لهم. وفي القضاء يجب تطبيق العدل على الجميع سواسية مسلمين أو غير مسلمين؛ فيقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (المائدة : 8)، أي «لا يحملنكم بُغْض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقًا كان أو عدوّاً».

ولكننا وجدنا موازين العدل الغربية في بعض الأحيان تميل لتحيف بالمسلمين على مستوى الأفراد والدول؛ فيتم التغاضي عن جرائم إسرائيل بالكلية، بل يتم تشجيعها على عدوانها، والوقوف بجوارها في المفاوضات ضد العرب - رغم رفضي الشخصي لنهج التفاوض مع الكيان الصهيوني - والتغاضي عن جرائمها الخطيرة، مع الضغط المستمر على العرب والمسلمين للاستمرار في تقديم التنازلات.


الواقعية في التشريع والتنفيذ

من أهم الفروقات بين الإسلام والغرب في مجال حقوق الإنسان الواقعية في تشريعها؛ واتخاذ السبل السليمة لتنفيذها؛ فالإسلام لا يريد من تحقيق بروباغندا(دعاية إعلامية)، وإنما يريد أن يحصل البشر على التكريم الذي خلقهم الله تعالى عليه، وأراده لهم؛ لذا فإنه جعل تشريع الحقوق يتخذ سبلاً عملية تؤدي لتحقيق الهدف في النهاية، بينما سلك الغرب سبيل الدعاية والشهرة؛ فـ «تحرير الرقيق - مثلاً - بإصدار مرسوم كما يتخيل البعض لم يكن ليحرر الرقيق! والتجربة الأميركية في تحرير الرقيق بجرّة قلم على يد أبراهام لنكولن خير شاهد لما نقول، فالعبيد الذين حرّرهم لنكولن - من الخارج - بالتشريع، لم يطيقوا الحرية، وعادوا إلى سادتهم يرجونهم أن يقبلوهم عبيداً لديهم كما كانوا، لأنهم - من الداخل - لم يكونوا قد تحرَّروا بعد.

فالعبد يحسن القيام بكثير من الأمور حين يأمره بها سيده، فلا يكون عليه إلا الطاعة والتنفيذ. ولكنه لا يحسن شيئاً تقع مسئوليته على نفسه، ولو كان أبسط الأشياء، لا لأن جسمه يعجز عن القيام بها، ولا لأن فكره - في جميع الأحوال - يعجز عن فهمها؛ ولكن لأن نفسه لا تطيق احتمال تبعاتها، فيتخيل فيها أخطاراً موهومة، ومشكلات لا حل لها، فيفر منها إبقاء على نفسه من الأخطار!»

وكان هذا غير ما صنعه الإسلام؛ «فقد بدأ أولاً بالمعاملة الحسنة للرقيق. ولا شيء كحسن المعاملة يعيد توازن النفس المنحرفة، ويرد إليها اعتبارها، فتشعر بكيانها الإنساني، وكرامتها الذاتية، وحين ذلك تحس طعم الحرية فتتذوقه، ولا تنفر منه كما نفر عبيد أميركا المحررون.

وقد وصل الإسلام في حسن المعاملة ورد الاعتبار الإنساني للرقيق إلى درجة عجيبة ضربنا أمثلة منها من قبل في آيات القرآن وأحاديث الرسول، ونسرد هنا أمثلة أخرى في التطبيق الواقعي.

كان الرسول (ص) يؤاخي بين بعض الموالي وبعض الأحرار من سادة العرب. فآخى بين بلال بن رباح وخالد بن رويحة الخثعمي، وبين مولاه زيد وعمه حمزة، وبين خارجة بن زيد وأبي بكر، وكانت هذه المؤاخاة صلة حقيقية تعدل رابطة الدم وتصل إلى حد الاشتراك في الميراث!

ولم يكتفِ بهذا الحد... فقد زوَّج بنت عمته زينب بنت جحش من مولاه زيد بن حارثة (رض).

ولم يكتفِ كذلك بهذا الحد.

فقد أرسل مولاه زيداً على رأس جيش فيه الأنصار والمهاجرون من سادات العرب، فلما قتل ولى ابنه أسامة بن زيد قيادة الجيش، وفيه أبو بكر وعمر وزيراً الرسول وخليفتاه من بعده، فلم يعطِ المولى بذلك مجرد المساواة الإنسانية، بل أعطاه حق القيادة والرئاسة على «الأحرار». ووصل في ذلك إلى أن يقول: «اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله تبارك وتعالى». فأعطى الموالي بذلك الحق في أرفع مناصب الدولة، وهو ولاية أمر المسلمين.

ليست هذه هي الاختلافات الوحيدة بين حقوق الإنسان في الإسلام، وعند الغرب، ولكنها قد تكون الأبرز – كما أراها – والتي تحتاج إلى الحديث عنها أكثر من غيرها، لعلنا نعطي شريعتنا حقها، ونقوم بواجبنا تجاه المجتمع البشري بإظهار حقائق الإسلام ناصعة لا كما شوّهها المبطلون، ولكي نكون سبَّاقين في مجال الدعوة لحقوق الإنسان عن بصيرة وعلم، لا عن جهل وتقليد...

أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفقنا للصواب في كل أمر، وأن يتقبله منَّا، ويجعله في ميزان حسناتنا؛ إنه سميع مجيب...

العدد 2891 - الخميس 05 أغسطس 2010م الموافق 23 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً