كان المفكر المصري، نصر حامد أبو زيد سيحتفل بعيد ميلاده السابع والستين إذا ما بقي حياً أربعة أيام أخرى، فشهادة ميلاده تشير إلى أنه قد ولد في العاشر من يوليو/ تموز العام 1943 في قرية قحافة بالقرب من مدينة طنطا الواقعة على دلتا النيل. إلا أن تاريخ الميلاد هذا ليس دقيقاً على الأغلب، إذ اعتاد سكان القرى المصرية آنذاك الذهاب إلى مكتب تسجيل المواليد بالمحافظة بعد عدة أيام من الولادة.
لم يكن أحد يعلم أن ابن القرية الصغيرة سيغدو أحد أبرز مفسري القرآن في العالم، إلا أن هذا لم يكن واضحاً آنذاك، فطفولة نصر أبو زيد في أربعينيات القرن الماضي تأثرت بالقرآن بشكل كبير، فوالده كان يملك محلاً في قرية قحافة، وكان الدين المتسامح يشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، فالفرائض الدينية كانت تعد من الأمور الخاصة التي لا يتدخل فيها أحد، والفصل بين الرجال والنساء لم يكن يطبق بنفس الصرامة التي يطبق بها اليوم.
هذا وتوفي والد نصر حامد أبو زيد وهو في الرابعة عشرة من العمر، وهو ما ألقى على كاهله بصفته الابن البكر مسئولية إعالة العائلة، لهذا بدأ نصر بتعلم الاتصالات اللاسلكية. لكن حلمه في الدراسة لم يتحقق إلا بعد بلوغه سن الخامسة والعشرين، إذ بدأ بدراسة العلوم الإسلامية بجامعة القاهرة إلى جانب عمله في الاتصالات اللاسلكية. ومن خلال دراسته أخذ نصر حامد أبو زيد بتحليل القرآن من الناحية الأدبية، وبهذا تفوق على كثير من أقرانه، إذ بدأ بالنظر إلى النصوص القرآنية كوثائق تاريخية، وإلى واجب البشر تفسير كلام الله. هذه الطريقة المثيرة للجدل أفضت إلى نتائج تخفي في طياتها إشكالات سياسية.
على سبيل المثال نادى نصر أبو زيد بالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، بناء على تفسيره للقرآن، وبهذا عارضت وجهة نظره آراء المتشددين، والذين قيدوا دور المرأة في الإنجاب، والمنزل والمسجد. إضافة إلى ذلك طالب أبو زيد بالفصل بين الدولة والدين، بالرغم من أن التفسير التقليدي للقرآن يقول إن السلطة الدينية والسياسية في المجتمع المسلم واحدة، وهو تفسير تجذر على مر العصور، لأنه يخدم الحكام في المجتمع، بحسب أبو زيد.
من ناحية أخرى هاجم أبو زيد في كتاباته الطبقة الحاكمة ومن عينوا أنفسهم على رأس العباد، ففي العام 1993 وإثر نشره لرسالة أكاديمية مثيرة للجدل رفضت الجامعة ترقيته لمنصب أستاذ في الجامعة، بعد أن اتهمه أحد أعضاء اللجنة المشرفة على الرسالة بالكفر. وعلى خلفية هذا الخلاف سعى إسلاميون متشددون لرفع قضية ضده لتطليقه من زوجته ابتهال يونس، أستاذة الأدب الفرنسي، بحجة «ارتداده» عن الإسلام، إذ يمنع قانون العائلة المصري زواج المسلمة من غير المسلم. ومن خلال هذه «الخدعة» توصل خصومه إلى إعلانه «كافراً» بقرار قضائي العام 1996 وتطليقه من زوجته.
وفي أعقاب هذا الحكم القضائي تلقى حامد نصر أبو زيد عدداً من التهديدات بالقتل، وهو ما دفعه إلى التزام منزله، إلى أن تمكن من مغادرة مصر مع زوجته إلى مدينة لايدن بهولندا، حيث عمل في جامعتها أستاذاً للعلوم الإسلامية. وفي العام 2004 حصل أبو زيد على كرسي ابن رشد للعلوم الإنسانية بجامعة أوترشت الهولندية. لكن حياة نصر أبو زيد في المهجر احتاجت منه إلى تكيف دام وقتاً طويلاً، قبل أن يتمكن منذ عدة سنوات من السفر إلى مصر دون الخوف على حياته. ولطالما قال أبو زيد بأنه يحمل وطنه في قلبه دائماً، إذ إنه تعلم في شبابه بقرية قحافة أن يسعى إلى الأفضل في الحياة، حتى وإن لم تسر حسب ما هو مخطط له، وهو أمر نظر له نصر حامد أبو زيد بتفاؤل طوال الوقت.
وكان نصر حامد أبو زيد قد توفي يوم الإثنين (5 يوليو/ تموز) متأثراً بفيروس مجهول يعتقد أنه أصيب به خلال زيارة لإندونيسيا قبل عدة أسابيع.
العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ