يحتدم الجدل في العالم العربي بين الداعين لفرض احترام الملكية الفكرية من جهة، والداعين إلى تسهيل الاستفادة من وسائل المعرفة وتشجيع التبادل العلمي، من جهة أخرى. كما يشكل الانتشار الواسع للإنترنت تحدياً جديداً في هذا المجال.
تم إقرار أول نص قانوني لحماية الملكية الفكرية خلال معاهدة باريس لسنة 1883. ومنذ ذلك الحين بدأت عدة عواصم غربية بالدفع في اتجاه تعميم هذه المعاهدة على كافة دول العالم. كما تم تعديل بنود المعاهدة مرارا كي تواكب تطور الأنشطة الاقتصادية وتشعب مجالات المعرفة. واستمرت التعديلات إلى أن خرجت منظمة التجارة العالمية إلى الوجود بعد الاتفاق على معاهدة دولية لحماية حقوق الملكية الفكرية، صودق عليها، في أبريل/ نيسان من العام 1994، بمدينة مراكش المغربية، معلنة بذلك خروج منظمة التجارة العالمية إلى الوجود العام 1995.
وهناك دول عربية ليست أعضاء في المنظمة الدولية، كاليمن والسودان وسوريا ولبنان والجزائر والسلطة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى العراق. ما يعني أنها غير ملتزمة باتفاقية تريبس، اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تنظم حقوق الملكية الفكرية. إلا أن الخبير المغربي في قضايا الملكية الفكرية وحقوق المؤلف أحمد حيداس يؤكد، في حديث لدويتشه فيله، على أن كل الدول العربية تتوافر على نصوص قانونية في هذا المجال.
وبالرغم من تأكيده هذا، فإن حيداس لا يخفي أسفه على وضعية حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي. ويضيف الباحث المغربي بأن هناك إخلالا في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي. ويزيد من تفاقمه «غياب التنسيق بين الهيئات المكلفة بهذا المجال، مثلا لا يوجد تنسيق بين المكتب المغربي لحقوق المؤلف، ونظرائه في الدول العربية».
من جهة أخرى يرى رئيس اتحاد الناشرين المصريين، محمد رشاد أن الإشكال المطروح ليس في الإطار القانوني، بل يتجاوز ذلك بكثير. ويضيف رشاد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن المشكلة «في العقلية العربية التي تشعر بسعادة عندما تحصل على منتوج مقرصن، أو تشتري كتاباً حقوقه منتهكة». فمن يقوم بالقرصنة «لا يعلم أن الكاتب إذا لم يحصل على حقوقه المادية والفكرية فسيضطر إلى التوقف عن الكتابة. وإذا لم يجنِ الناشر أرباحا فسيغض الطرف عن أنشطة كهذه» وفي النهاية يكون «الخاسر الأكبر هو المواطن والشأن الثقافي عموماً».
وتنص اتفاقية تريبس على وجود استثناءين اثنين يمكن خلالهما السماح بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وهما مجال البحث العلمي والأكاديمي، ومجالات التعليم والتدريس. إلا أن سرور وحيداس يعتقدان أن الدول العربية لم تستغل هذين الاستثناءين بشكل جيد، والدليل، حسب رأيهما، هو تأخر مجالات البحث العلمي في الدول العربية.
استثناء آخر تطالب به دول عديدة ويتعلق بمجال الأدوية. ففي البرازيل، مثلا، صدر في أواخر القرن الماضي قرار جمهوري يقضي تقليد دواء مرض فقدان المناعة المكتسبة الإيدز، بدعوى أن حق الإنسان في العلاج أقدس من احترام حقوق الملكية الفكرية. وتكررت التجربة نفسها في جنوب إفريقيا في عهد الرئيس الأسبق نيلسون مانديلا.
ووفق هذه الحجة ظهرت في العالم العربي، أيضا، دعوات لخلق استثناءات أخرى في جميع مجالات المعرفة. إلا أنّ رئيس اتحاد الناشرين المصريين، محمد رشاد يختلف مع هذا الرأي مؤكدا أنه يمكن الحصول على المعرفة واحترام حقوق المؤلفين والناشرين، في الوقت نفسه، إذا ما تكرست ثقافة استهلاك المنتجات المعرفية الكاملة الحقوق وليس المنتجات المقرصنة.
ويؤكد رشاد بأنه إذا كان «انتهاك حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي منتشرا قبل ظهور شبكة الانترنت، فإنه أصبح بعد انتشارها أمرا خارجا عن السيطرة ومضرا أكثر». أما الخبير المغربي أحمد حيداس فيرى في هذا الكلام مبالغة، مضيفا أن القرصنة «تأخذ نسبة 6 في المائة من حجم التجارة العالمية أما فيما يخص التجارة الالكترونية فإن 80 في المئة من الرصيد المعرفي العالمي لا يتم تداوله على شبكة الانترنت». وتبقى «السينما والموسيقى القطاعين الأكثر تضررا»، حسب الخبير المغربي.
العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ