العدد 2888 - الإثنين 02 أغسطس 2010م الموافق 20 شعبان 1431هـ

قضية المبحوح تعري أصول الإرهاب الأميركي (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جوهر «الإرهاب أميركي» ينطلق من فقرة دستورية وردت، كما ينقلها الكاتب الفلسطيني إبراهيم علوش، في البند 22 من الفقرة 2656، من الدستور الأميركي، وتنص على أن «مصطلح الإرهاب يعني العنف المدفوع سياسياً، عن سابق إصرار، ضد أهداف غير محاربة، من قبل مجموعات شبه قومية أو عملاء سريين، بغرض التأثير على جمهور. تعبير الإرهاب الدولي يعني الإرهاب الذي يصيب أرض أو مواطني أكثر من دولة. تعبير مجموعة إرهابية يعني أي مجموعة تمارس، أو لديها مجموعات تابعة لها تمارس الإرهاب الدولي».

هذه الفقرة تبيح للولايات المتحدة أن تضع في فئة «الأعمال الإرهابية» أي شكل من أشكال العنف، الذي يمكن أن تلجأ لها قوات التحرر الوطني. وهو ما يتجسد عمليا، وفي أكثر من مناسبة عند تعاطيها مع الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث تصر واشنطن على تبرير كل ما تقوم به «تل أبيب»، معتبرة إياه ردا طبيعيا على «الإرهاب الفلسطيني»، وعلى نحو اوسع «الإرهاب العربي»، إذ لا تتورع الولايات المتحدة عن الإفصاح عن مؤازرتها للإرهاب الصهيوني، فمن منا ينسى توبيخات وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس، في العام 2006، الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، عندما «تجرأ «على انتقاد إسرائيل، بعد قصفها مركز مراقبة تابع للأمم المتحدة في الخيام ومجزرة قانا».

لكن أسوأ ما في الأمر أن واشنطن، ونظرا لتوسع عملياتها الإرهابية على مستوى العالم قاطبة، لم تعد قادرة على تفسير غزوها لدول مثل العراق أو أفغانستان، بل إنها لم يعد في وسعها مراقبة، أو ضبط، الممارسات الإرهابية لقواتها هناك، والتي لم تعد تتردد عن مهاجمة، وبإصرار وترصد «أهداف مدنية غير محاربة». هذا ما أثبتته تحريات مجموعة «ويكيليس»، ونشره موقع «إذاعة هولندا العالمية»، ويحتوي على تسجيلات فيديو «يطلب الجنود الأميركيون على ظهر الأباتشي تصريحاً بإطلاق النار ويحصلون عليه، بعد أن يصفوا الهدف بأنه يتكون من عشرين شخصاً، وأن خمسة أو ستة منهم مسلحون برشاشات روسية وأن بحوزتهم قاذفة صواريخ». حقيقة الأمر أن من وصفوا بمسلحين لم يكونوا سوى مجموعة من المواطنين العراقيين بينهم طفلان، برفقة صحافي مصور اعتبر الجنود الأميركان آلة التصوير التي يحملها على أنها قاذفة صواريخ من طراز «آر بي جي». وقد نشر ذلك المقطع المصور بتعاون بين موقع ويكيليكس والتلفزيون الوطني بايسلندا. وحتى هذه اللحظة لم تكلف الولايات المتحدة نفسها حتى مجرد استجواب أولئك الجنود أو التحقيق في القضية، مما يثبت تلطخ أيديها، وعبر ممارسة إرهابية متعمدة، بجرائم أولئك الجنود بدماء المواطنين العراقيين الأبرياء، والذين ليسوا سوى حفنة بين عشرات الآلاف من الضحايا العراقيين غيرهم.

ولربما آن أن تصغي الإدارة الأميركية لما نصحها به أحد عرابي سياساتها الخارجية المعاصرة، وهو مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زيغنيو برجنسكي في أعقاب غزو قواتها العراق، حين قال محذراً «كما أن حرب القناة 1956 بدت سهلة للقوات الإنجليزية والفرنسية وكانت هي الضربة التي قضت على المصالح الأنجلو - فرنسية في الشرق الأوسط، فإن حرب العراق ستكون كذلك بالنسبة للولايات المتحدة فإنها ستخرج من المنطقة بعد خروج قواتها من العراق بلا عودة».

ولا يشكل ذلك التغافل المتعمد استثناء في السياسة الخارجية الأميركية، ففي العام 1989، لم يتردد الرئيس الأميركي جورج بوش الأب عن إصدار عفو رئاسي عن أورلاندو بوش، المتهم بتدبير تفجير قنبلة في طائرة مدنية كوبية راح ضحيتها 73 شخصاً من المدنيين الأبرياء.

هذا على المستوى الخارجي، لكن الإرهاب الأميركي الرسمي ينطلق أساساً من السياسة الداخلية، ويتكامل معها في نظام مؤسسي، يكشفها بتفاصيل مثيرة موقع «مكتوب» من خلال دراسة موثقة عنها قام بها الباحث الأميركي «لويل فاكنت» يفضح فيها الكثير من أوجه تلك السياسة، فنجده يقول «هناك حرب حقيقية في شوارع الولايات المتحدة. ويسقط قتلى بالرصاص ما يقارب 45 ألف شخص كل تسعة عشر شهراً، وهو العدد نفسه الذي سقط خلال تسعة أعوام من حرب فيتنام، هذا يكشف أمراض المجتمع الأميركي المستعصية، والعنصرية المتفشية في داخله، والتباينات الاجتماعية الواضحة، إن دل هذا على شيء فيدل على تفجر اللحمة الأسرية، وإفلاس النظام التربوي، واستشراء المخدرات، وعن عدم فاعلية النظام القضائي، وعن قوة اللوبيات المدمرة داخل المجتمعات الأميركية، وخصوصاً اللوبي الصهيوني، وهذا يدل أيضاً على الإرهاب الدموي الذي يطال مختلف الشرائح والطبقات. فمثلا في سنة 1991 قتل الإرهاب الداخلي الأميركي 38317 شخصاً وجرح 175 ألف شخص، هذا يعني حصول 105 قتلى في اليوم الواحد، ولترجمة هذه الأرقام على الواقع لنفهم نتائج هذا الإرهاب، يكفي أن نقارن طبيعة القتلى بالسلاح بين أميركا وبعض الدول الأوروبية. ففي سنة 1990 بلغ عدد حالات القتل بأسلحة اليد في الولايات المتحدة فقط إلى 10567 حالة بينما بلغ في بريطانيا 22 حالة وفي السويد 13 حالة، وفي أستراليا 10 حالات وفي كندا 68 حالة وفي اليابان 87 حالة. وهذا ما دفع الكثير من المحللين الأميركيين من إطلاق وصف لهذه الحالة الإرهابية بأنها (حرب حقيقية في كل بيت) أو (الإرهاب على الذات)».

ولعل أفضل من عرى الإرهاب الأميركي هو المفكر نعوم تشومسكي، والذي تعتبره الدوائر الرسمية على أنه أحد المنشقين الأميركان، وتنعته المؤسسات الصهيونية على أنه «أشد مواطني الولايات المتحدة الأميركية عداءً لإسرائيل، وبأنه يهودي يكره ذاته»، وهو يشخص الحرب على العراق بأنها سبب في «إثارة عمليات إرهابية في مختلف أرجاء العالم»، معتبراً، بخلاف ما تروج له وسائل الإعلام الأميركية، أن العراق اليوم «أصبح نفسه ملاذاً آمناً للإرهاب لأول مرة وشهد أول هجمات انتحارية في تاريخه منذ عمليات القتل التي كانت تقوم بها طائفة الحشاشين في القرن الثالث عشر».

ويستعين تشومسكي، في سياق تعريته لإرهاب السياسة الخارجية الأميركية بالعلاقة التي اكتشفها لارس شولتز ( Lars Schultz ) «بين المساعدات الخارجية وانتهاك حقوق الإنسان الفاضحة». ويربط بوضوح بينها جميعاً والدور الذي تمارسه وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)، على هذا الصعيد. ويخلص تشومسكي من كل ذلك إلى المطالبة «بتعديل مضمون الإرهاب الدولي ليشمل كافة ممارسات أميركا ضد الشعوب الأخرى».

هذه أصول الإرهاب الأميركي كما تكشفها شهادات مؤسسات أميركية وباحثون أميركان، التي لا تحتمل أي تأويل لمن لا يريد أن يتعامى عن الحقيقة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2888 - الإثنين 02 أغسطس 2010م الموافق 20 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً