اشرأبّت الأعناق صوب لبنان. جميع العرب كادت أن تطفر قلوبهم من صدورهم خشية تعرّض التوافق الهشّ إلى انفراط. رَجُلا المنطقة القويّان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية، وبشّار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية عقَدَا قمّة أكثر من مهمّة لقول وفعل ما يجب أن يُقال ويُفعل من أجل بلاد الأرْز.
الدَّورَان السعودي والسوري لا يُمكن فصلهما عن لبنان، لا تاريخياً ولا حاضراً. في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول من العام 1989 جاء اتفاق الطائف بمباركة تفاهم الـ سِّيْن سِيْن (السعودية/ سورية) ليُنهي الحرب الأهلية الدامية في لبنان التي استمرّت لخمسة عشر عاماً. وطوال التواجد العسكري/ السياسي السوري ما بعد الطائف في لبنان كان ذلك التفاهم ضمانة لأحداث الداخل اللبناني الذي كان يُقاوم الجيش الصهيوني لتحرير جنوبه المحتل.
وبعد احتراب اللبنانيين في السياسة والميدان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، توافَقَت معادلة الـ سِّيْن سِيْن (السعودية/ سورية) مرة أخرى بمساعٍ قطرية إيرانية فرنسية، لتُنتج اتفاق الدوحة التاريخي في 21 مايو/ أيار من العام 2008 وتُشكّل الحكومة ويستقرّ الوضع السياسي هناك، بعد أن ثبّت ذلك الوضع حالة اصطفافات إقليمية ولعبة محاور أثّرَت بشكل مباشر على وحدة الصف العربي.
اليوم وبعد تواتر أنباء عن نيّة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري إصدار قرارٍ «ظنِّي» يتهم أعضاء «غير منضبطين» في حزب الله بالتورّط في الجريمة يُعيد الأمور إلى المربّع الأول، وبتأزيم أشد من سابقه، على اعتبار أن كافة ما توالَى على لبنان بعد حادثة الاغتيال في 14 فبراير/ شباط من العام 2005 من الفرز ما بين 8 و14 آذار (مارس) ثم أحداث السابع من مايو/ أيار وما سبقه وما تلاه من إرهاصات، هو نتائج مباشرة وغير مباشرة لتلك الحادثة.
وإذا ما تمّ البَت في أصل الموضوع (وهو اغتيال رفيق الحريري) بالشّكل الذي يُسرّب عن المحكمة الدولية اليوم فإن الأمور تعني أن هناك جَرٌّ للبنانين صوب وضع الصدور حذاء الصدور المنتفخة حقداً. وربما كان جزءٌ من بيان القمّة العربية الثلاثية في بيروت مُترجماً لذلك الهاجس عندما حذّر من «الدسائس والمؤامرات التي تحاك لها (الدول العربية) لإرباكها بالفتن الطائفية والمذهبية والتي لن تكون أي دولة عربية بمنأى عن تداعياتها».
أعود لموضوع القمّة الثلاثية، لأتذكّر دائماً أن نفوذ القرارات وسطوتها لا تُؤكّدها عادة هالة الاجتماع ولا طوله المُمتد لأيام؛ وإنما تؤكّده مدى محاكاته وملامسته لبؤرة الأزمة. القمّة الثلاثية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ورئيس الجمهورية العربية السورية بشّار الأسد، ورئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان لم يَدُم في مجموعه لأكثر من أربع ساعات، لكنه تضمّن زخماً يزيد عن بعض القرارات العربية السابقة والتي استمرّ اعتمادها لأيام، لكنها لم تُنتِج شيئاً.
بل إن هذه الساعات الأربع «المهمّة جداً» توزّعت بشكل مقطعي وكأنها متروكة لعناية غرفة العمليات في المعارك. اجتماع لنصف ساعة بين الزعماء الثلاثة (عبدالله والأسد وسليمان) بحضور الوفود التي رافقتهم كرئيسي مجلسي النواب والوزراء اللبنانيين (بري والحريري) ووزراء الخارجية السعودي والسوري واللبناني، ومدير الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ومستشار خادم الحرمين الأمير عبدالعزيز بن عبدالله، والمستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان.
ثم خلوة بين الزعماء الثلاثة استمرّت لثلث ساعة، ثم خلوة ثانية بين الأسد وسليمان، ثم غذاء عمل تخلّله همس غير منقطع بين الأسد والحريري، أعقبها خلوة بين الأسد وبرّي لمدة ثلث ساعة، أعقبتها خلوة لمدة ربع ساعة بين الأسد وسليمان، ثم خلوة بين خادم الحرمين الشريفين بسعد الحريري لمدة ثلث ساعة في بيت الأخير.
أضِف إلى ذلك، فإن وصول هذين الزعيمين الكبيرين (خادم الحرمين الشريفين والرئيس السوري) بالطريقة التي وصلا فيها إلى بيروت، على متن الطائرة الملكية السعودية، باعتبار أن الأول ومنذ العام 1957 هو أول ملِك سعودي يزور لبنان، وباعتبار الثاني لم يَزُره منذ العام 2005، وما رافق هذه الزيارة من اجتماعات سابقة في القاهرة ودمشق، واجتماعات تمهيدية في بيروت كلّها أمور أكّدت استثنائيتها. وهو باعتقادي استثناء يتناسب مع استثنائيّة ظروف لبنان المعقَّدة، والتي كانت محلّ ترقّب منذ ما قبل خمسة أعوام خلت.
نعم. في بلد كلبنان تعيش فيه ثمانية عشر طائفة، ويلفّه الكيان الصهيوني بحراً وجوّاً بخطر عدواني داهم، دون أن يستقرّ في شكل صراعه معه وهل هو صراع حدود أم وجود، وأيضاً مصالح العرب والغرب فيه، وتمثيلات الجميع بداخله عبر طوائف وأفراد وعوائل، جعله بلداً مهمّاً ومحورياً في المنطقة.
وقد ظهرت أهمّية هذا البلد في منعطفات تاريخية عربية كبيرة. وقد استطاع لبنان (رغم ضعفه الاستراتيجي المُروَّج له) أن يُوحّد (أو يُفرّق) العرب على قضاياهم، وقضايا حلفائهم وخصومهم بالسّواء. بل إن أبجديات سياسية وعربية كثيرة أفرزتها أزماته على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، حتى أصبحت في قوس الاهتمام العربي المشترك. بل إنها كانت إسفيناً يُحَجُّ ويُحاجج به وله وضدّه خلال المناكفات والمصالحات. إنه فعلاً بلد استثنائي نبعت قوّته من ذلك.
خلال أزماته السابقة، وعندما كان العرب في خصومة بشأنه، كان الأمان النفسي العربي معدوماً. وكانت كلّ التطمينات التي تُطرح، يجبّها ذلك الأمان المفقود نتيجة الخصام بين الأخوة. أما اليوم، وعندما يلتئم الشمل العربي، فإن كافة الحلول والمعالجات، تُعضّدها تلك التوافقات، التي تُحوّل الظرف الحالي، من مَلمَحٍ للعلاقات العامة، إلى صورة أكيدة وحقيقية لترسيخ الاستقرار والأمن في هذا البلد، وأيضاً في علاقات العرب بعضهم ببعض.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2887 - الأحد 01 أغسطس 2010م الموافق 19 شعبان 1431هـ
مهزلة
بعني معقول المحكمة الدولية قررت ان الحريري ما عنده اعداء غالا سوريا وحزب الله او بالاحرى الشيعة؟؟؟؟؟ وين اسرائيل عنه ووين جزء من مسيحيي لبنان عنه ووين ووين . مهزلة صدق
السعودية سند لطرف لبناني وسوريا سند لطرف لبناني آخر . يعني بالعربي الصراع سعودي سوري فادا حلوا الخلاف بينهم لبنان بخير