جاء في وصية للإمام علي "ع" "أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم وإصلاح ذات بينكم". .. والمتمعن في هذه الوصية يجد المعاني الكبيرة التي تقوم عليها كل المجتمعات والتجارب الناجحة. فخشية الله تعني الكثير ويرتبط بذلك مباشرة "تنظيم" الأمور الحياتية ثم "إصلاح ذات البين"، وهو إصلاح العلاقات بين الأطراف "سواء كانوا أفرادا أم جماعات".
ولعل التحدي الأكبر الذي تواجهه أية جماعة وأية أمة هو طريقة إصلاح العلاقات فيما بينها من أجل أن تعمل مع بعضها بعضا، وكل هذه المفاهيم تدخل فيما تطرحه الأفكار الحديثة التي تتحدث عن العمل فريقا واحدا Teamworking.
على أن هناك بعدا آخر يتعلق بالأوطان عند الحديث عن العمل فريقا واحدا، لأن "الوطن" ليس مؤسسة خاصة أو عامة. فالشركة والمؤسسة يمكن أن تنتهيا، ولكن الوطن والشعب قلما ينتهيان، اللهم إلا إذا جاء شيء مثل "طوفان نوح" أو ظاهرة مشابهة لتقضي على وطن بكامله. الوطن ليس للبيع وليس للشراء، وهو ملك الجميع - بحسب مفهوم الديمقراطية - وهو يخضع لسيادة تمثل إرادة من يعيش على أرض الوطن. ولذلك فإن "إصلاح ذات البين" يتطلب جهودا حثيثة للحفاظ على وطن آمن ومزدهر يشعر فيه المواطن بكرامته وعمق انتمائه وولائه إليه.
ما حدث في فبراير/ شباط 2001 يعتبر نموذجا ومحاولة جادة لـ "إصلاح ذات البين" بين أطراف المجتمع، وكان التصويت على ميثاق العمل الوطني مؤشرا واضحا على مدى الرغبة لدى أهل البحرين في الدخول في القرن الحادي والعشرين بما يناسب الزمان الذي نعيش فيه وما يناسب تاريخنا الوطني الذي نفتخر به جميعا.
إننا الآن نمر بمرحلة أكثر حرجا مما كان في الشهور الماضية، ولكن عندما يتعمق المرء في الأزمة الحالية في العلاقة بين الجهات الرسمية من جانب و"جمعية الوفاق" من جانب آخر يرى أن السبب الأكبر هو الكثير من سوء الفهم والرسائل الخاطئة التي تصل إلى الطرفين عن بعضهما بعضا. واني لست في محل توجيه اللوم إلى هذا الطرف أو ذاك، ولو فعلت، فإن ذلك لن ينفع في إصلاح ذات البين ولكن يمكن الإشارة إلى مبادئ أولية لعلها تنفع أصحاب النوايا الحسنة في مد الجسور وإزالة سوء الفهم وتيسير الأوضاع.
ان من تلك المبادئ الأولية هو ضرورة أن ترسل "الوفاق" - من خلال تصريحاتها وأفعالها - رسائل واضحة تشير فيها إلى احترام هيبة الدولة وعدم لجوئها إلى تحريك الشارع واستعدادها لاستخدام خطاب سياسي مختلف عن الذي استخدمته حتى الآن.
ومن المبادئ الأولية أيضا هو أن تزيل الهيئات الرسمية العليا الشبهات التي يتسبب فيها الوسطاء الذي قد ينقلون أمورا غير واقعية، وهذا يتطلب الانفتاح أكثر على من لديهم التأثير على الساحة، ضمن أجواء هادئة وبعيدة عن الضوضاء السياسية... لعل ذلك يفيد في إصلاح ذات البين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ