سئلت إحداهن: ما رأيك في الفساد الإداري الذي بات حديث الصحف والمنتديات هذه الأيام. .. برأيك هو ناتج عن ماذا؟... فردت بإجابة لا تخلو من ثقة: "أعتقد أنه من ضمن العادات والتقاليد التي توارثناها وبقينا نحافظ عليها إلى الآن"!
الإجابة تلك نزلت على طارحة ذلك السؤال كالصاعقة... وما كان منها إلا أن تمتمت بينها وبين نفسها: "على الدنيا السلام إن بات الفساد عادة، بل وتقليدا سيلازم البشرية إلى حين فنائها"!
الإجابة تلك لا أظن أبدا أنها يجب أن تمر على مسامعنا هكذا مرور الكرام من دون أن نحاول ولو لثوان أن نتوقف عند أبعادها ودواعي جعل ذلك "الفساد" ضمن العادات والتقاليد المتوارثة في ذهن تلك الفتاة اليافعة، والله العالم إن لم تكن هناك المئات غيرها يعتنقن المعتقد نفسه؟!
ما إن يشب الواحد منا وتبدأ عيناه بالتفتح على أمور الدنيا وأحوالها حتى يصطدم بتلك العراقيل التي ما كان لها أن تفك عقدتها منذ زمن بعيد... والقضية في تداول مستمر والحلول مطروحة ولكن - وكما العادة - التنفيذ صعب للغاية... أو هو الغاية ذاتها التي لا تدرك أبدا!
"فيتامين واو"... شماعة نعلق عليها إخفاقاتنا في الحصول على الوظيفة والعيش الكريم أو تخليص معاملة لا تأخذ - في العادة - ثواني أما عند المفتقدين لذلك الفيتامين فإنها قد تأخذ أياما وسنين!... في كل دائرة وكل وزارة وشركة ومؤسسة... قطاع خاص وعام... فيتامين واو يلعب لعبته في إنشاء الطبقات العاملة والكادحة والمرفهة على الكراسي والمتجولة في سيارات آخر موديل... نقول "لا واسطة"... "لا محسوبية"... والابن والخال والعم والجار والحبيب والقريب في مقام رفيع... وللبقية مقام أيضا وإن وصم بالمقام "الدنيء"!
أجيال وضعت في رأسها حلما جميلا... ليس بقريب من مدينة أفلاطون الفاضلة... ولكنه جزء من "الفضيلة" كي تعيش بسلام مع النفس والآخرين... حلما لا يتجاوز الحق والعدل... الحق والعدل فقط... سواء رفعنا ذلك الحق إلى الأعلى أو سقط بنا إلى الحضيض، ولكنه يبقى حقا موزونا بالعدل "وهذا نصيبنا من الدنيا وحصاد يدينا"... أما لو مال الميزان بحسب الأهواء والأمزجة فعند ذلك لن يصيبنا إلا الغبن والحقد والحسد مع رشة إحباط وشعور بالضيم... وأبسط شيء سنفعله أننا سنردد ما حصل كالببغاوات ونلقن الدرس لصغارنا وبدورهم سينقلونه إلى غيرهم والجيل الذي بعدهم... وإن بقي الحق مسلوبا وميزان العدل مائلا وبقينا "ببغاوات" إلى أن نقبر... فلا أعجب أبدا أن تصبح "قضيتنا مع الفساد" عادة وتقليدا نورثه جيلا بعد جيل... وعلى الدنيا السلام.
قالوا: ما فائدة إعمار البيوت الجميلة وبأفخم التصاميم طالما الأساس هش؟! ألا تنطبق تلك المقولة على "بنايات وعمارات ووزارات وعلامات التطور والتقدم والتنمية" لدينا؟... لكم الحكم
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ