عندما برزت ظاهرة الإرهاب بشكلها الحديث عقب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق مطلع التسعينات من القرن الماضي لم تكن بلدان مجلس التعاون الخليجي تعاني من إشكالات أمنية داخلية باستثناء البحرين التي شهدت حركة الاحتجاج السياسي بمظاهرها العنيفة، فضلا عن السعودية التي عانت كثيرا جراء انفجار المنطقة الشرقية. ولكن هذا الوضع تغير تماما بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر وإعلان الرئيس الأميركي جورج بوش قيادته لحرب عالمية ضد ما يسمى بالإرهاب.
طبعا جميع بلدان العالم تأثرت بشكل أو بآخر من ظواهر الإرهاب المتنوعة سواء كانت بشكلها المادي أو الفكري أو حتى المعنوي. ولكن الحوادث الأخيرة التي شهدتها منطقة الخليج في كل من السعودية والعراق والكويت وأخيرا في قطر، تشير إلى إمكان وقوع مثل هذه الحوادث في المملكة، ما يحتم على المواطنين والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني كافة المساهمة في الحيلولة دون وقوع حوادث أو هجمات إرهابية تستهدف الأفراد أو المنشآت العامة والخاصة.
ومثل هذه المسئولية من شأنها أن تفرض حاجة ملحة لتشريع قانون وطني يحارب ويكافح الإرهاب ويجرمه، ويعطي آليات قانونية ودستورية لحفظ الأمن الوطني والسلم الأهلي. وخصوصا أن البحرين تعد من البلدان المتقدمة في مجال الانضمام إلى الاتفاقات الدولية لمكافحة الإرهاب، وهناك ما لا يقل عن 9 اتفاقات دولية انضمت إليها المملكة في هذا المجال، وهي: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، معاهدة الجرائم والأفعال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات، معاهدة قمع والاستيلاء غير المشروع على الطائرات، معاهدة قمع الأفعال غير المشروعة ضد سلامة الطيران المدني، الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، بروتوكول بشأن قمع الأفعال غير المشروعة في المطارات، معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، اتفاقية قمع أعمال الإرهاب النووي.
جميع الاتفاقات السابقة تفرض على حكومة البحرين التزامات داخلية وأخرى خارجية، وبالتالي يكون التشريع الوطني لمكافحة الإرهاب مهما. إلا أنه ينبغي الانتباه إلى قضية غاية في الأهمية عند الرغبة في التشريع وهي أن المجتمع البحريني يختلف تماما عن المجتمع البريطاني والأميركي، وإذا كانت تلك المجتمعات قد أصدرت تشريعات محلية لمكافحة الإرهاب تتسم بالصرامة والشدة في أحايين كثيرة، فإن المجتمع البحريني لا يمكنه البتة إصدار تشريع مماثل لاختلاف ظروفه وخصائصه. وما لجوء لندن وواشنطن على سبيل المثال إلى إصدار هذه التشريعات إلا نتيجة لتزايد المخاوف من بعض التنظيمات الإرهابية، ولكن النظام السياسي البريطاني والأميركي بمؤسساته السياسية والدستورية المختلفة من شأنه أن يكفل حقوق المواطنين ويضمن حرياتهم، وألا يؤثر تطبيق قانون مكافحة الإرهاب على الديمقراطية بشكل كبير.
وهذه الأوضاع تختلف كثيرا عن الأوضاع التي يشهدها النظام السياسي البحريني الذي مازال في طور البناء والتحول الديمقراطي، وإصدار قانون صارم لمكافحة الإرهاب من شأنه المساس بحريات المواطنين وانتهاكها تحت ذرائع "قانونية"، وفي الوقت نفسه فإن هذا القانون سيعوق عملية الإصلاح والتطور الذاتي للمجتمع سواء من مواطنيه، أو مؤسساته الرسمية أو حتى مؤسسات المجتمع المدني.
ولذلك فإن مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب المقرر إحالته إلى السلطة التشريعية بحاجة إلى إعادة نظر والتقليل من نصوصه واسعة التفسير، لأن تطبيقه بحجج أمنية لن يساهم في دعم التطور السياسي الذي يشهده المجتمع، بل سيحدث تراجعات على مستوى المشروع الإصلاحي ليعتبره البعض "قانون أمن الدولة 2005" كونه يمس الحريات العامة ويزيد من دور المؤسسات الأمنية مرة أخرى، وهناك عدة بدائل للتعامل مع هذا القانون: إما أن تتم إعادة صوغه من جديد، أو يتم تفعيل دور الأجهزة الاستخباراتية في مكافحة الإرهاب وليس حريات المواطنين وحقوقهم
العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ