العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ

تهمة الإلغاء... صحافة سلطة أم معارضة؟!

المجتمع بحاجة إلى حرية وديمقراطية لا معلومات

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"بناء الجسور"، "افتتاح المدارس"، "تدشين الطرق"، هل هذه السلسلة من الحوادث اليومية تمثل أخبارا؟ الإعلام عبر أجهزته المتنوعة، سمعية ومرئية ومكتوبة، ينقل لنا أخبار التنمية، بصورة قد تكون خادعة، أو مخدوعة، تحت تبرير أن الصحافة جهاز شريك في التنمية. وأعتقد أن ثمة مغالطة تتم هنا، فالإعلام ليس شريكا في تنمية السلطة، بمعنى أنه ليس جزءا من السلطة التنفيذية، سياسيا أو برامجيا. وعليه، فإن قيام الصحافة بصوغ واقع أنها شريك في التنمية الوطنية مع السلطة، هو دخول في حقل التسويق الحكومي، أو حقل العلاقات العامة الحكومية.

ليس الإعلام جهازا تنمويا حكوميا، بل هو جهاز منفصل، لا علاقة له بالتأسيس للتنمية الكلاسيكية، هو بطبيعة الحال، عبر ممارسته لدوره الحقيقي، سيكون شريكا في التنمية، لكن من زاوية أخرى، وعبر تكتيك آخر. على الحقل الإعلامي عموما، والصحافة خصوصا، ألا تسوق أعمال السلطة التنفيذية، أو أن تؤجج الشارع الشعبي، بشعارات المعارضة. لابد للإعلام أن يتحصل على شخصية اعتبارية منفصلة، عن السلطة والمعارضة في الوقت نفسه، وبوضوح أكثر، عليه أن يعي أنه "سلطة" منفصلة عن الجميع.

لكن، ما معنى أن يكون للإعلام دور تنموي؟ وما معنى أن تكون الأجهزة الإعلامية أدوات تنموية؟ هناك الكثير من الآراء التي تذهب إلى أن الإعلام لابد أن يكمل حلقة التنمية للمجتمع، بمعنى أن يكون أحد العناصر الفاعلة في هذه العملية. إلا أن المؤسسات الإعلامية الكبرى "وكالات الإعلام" ومنذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات الميلادية، تنبهت إلى أن هذه الدعوة مشوبة بالمخاطر، وأنها سم بمذاق العسل.

التهمة الاقتصادية

الحكومات راهنت على خيار "التهمة الاقتصادية"، وهي تتجلى في تأسيس الاتهام لوسائل الإعلام بأنها وسائل ربحية، تسعى إلى الربح، ولا تهتم في الحقيقة بما يحقق المصالح الكبرى، والتي قد يكون الإعلام هو المسئول عن صناعتها. أصحاب هذه الدعوة يرون أن الأخبار "يجب أن تستخدم لتحقيق أهداف وطنية وسياسية، كما انها يجب أن تكون مسئولة ومستجيبة أيضا للأهداف الوطنية كما يراها زعماء هذه الدول، وذلك حتى تقوم الأخبار بدورها في دعم التنمية والتقدم".

هناك ردود كثيرة على هذا السياق، فالإحالة بالإعلام إلى أنه جهاز داعم للتنمية "بمفهوم الدولة"، هو تسطيح للإعلام ولوظيفته الرئيسية، ليست وظيفة الإعلام والصحافة أن تقوم بـ "الاخبار"، أي جعل الناس يعرفون ما يجري حولهم، كما تذهب الكلاسيكيات الأكاديمية في أقسام الإعلام بالجامعات العربية، إن الهدف من الإعلام هو "خدمة الصالح العام" و"جلب الديمقراطية". فالمجتمع لم يعد بحاجة الى معلومات، فنحن نعيش في زخم كبير وخطير من المعلومات، لكننا بحاجة إلى الحرية، والديمقراطية، في التفاعل والتعامل مع هذه المعلومات.

الإعلام الحكومي الخجول

للدولة، جهازها الإعلامي الخاص، ويتمثل في إدارات العلاقات العامة والإعلام الخاصة بها، كما أن لها أن تؤسس صحيفة تكتب بلسانها، أو جهازا تلفزيونيا ناطقا باسمها، ولا ينبغي أن تؤسس هذه العملية بسرية، كما هو الحال اليوم، وغالبا ما تكون هذه السرية مفضوحة، وموضعا للاستهزاء.

السلطة بترويج مخرجاتها سياسيا واجتماعيا لا ترتكب جرما، فأية مؤسسة تحتاج إلى جهاز إعلامي يروج مخرجاتها، ويرفع من أسهمها في المجتمع. والملاحظ، أن الكثير من الصحف في دول الخليج، مع أنها في الحقيقة تمثل "أجهزة علاقات عامة وإعلاما حكوميا" صرفة، إلا أنها تخجل أن تعلن عن توجهاتها صراحة، وهي بذلك تجعل من نفسها أضحوكة مجتمعية، أكثر منها صحافة أو إعلاما مستقلا وحرا، وهي لا تكتفي بأن تنكر أنها "صحافة سلطة موجهة" بل تدعي أنها نموذج الحيادية والموضوعية في طرحها الإعلامي، متناسية أنها لن تستطيع أن تلعب الدورين في الوقت نفسه.

الإعلام وظيفته التنموية تتجلى في الحلقة الكبرى من العمل المجتمعي المتكامل بين السلطات، وليست له وظيفة تنموية تسويقية تابعة لسلطة من السلطات، وحينما أذهب إلى نفي صفة التنمية الكلاسيكية عن وظيفة الإعلام، فإني لا اتجاهل أن للإعلام ذاته، دورا خاصا ومنفردا في الرقي بالمجتمع، عبر رعاية مصالح الأفراد والمؤسسات المدنية. وهذه الرعاية لا تتم بالتكهن والتنجيم، فالخيار الديمقراطي المدني واضح، بحوث استطلاعية ومسحية، ونتائج الاستقصاء للرأي العام، وقراءات الفعل المجتمعي بصدق وروية، ومن ثم التفاعل مع هذه المعطيات بشكل إيجابي ومتزن.

الإعلام، مهمته الحقيقية هي أن يتبنى نتائج الرأي العام، ومهما كانت المحصلة النهائية للرأي العام، لا يجب علينا تحجيمه أو الاستهزاء به. فالمأخذ الأكثر رواجا لأجهزة الإعلام ضد السلطة، هو تجاهلها الصارخ للرأي العام، ولا ينبغي للصحافة أن تنتقد السلطة "الدولة"، لتقع في اخطائها ذاتها، فليست أخبار البناء للبنى التحتية أخبارا مهمة، إلا إذا كانت تمس اهتمام الأفراد والمجتمع بشكل مباشر.

الصحافة الخليجية، تعيش مرحلة مخاض كبرى، فهي تحاول أن تقفز على أسوارها التقليدية التاريخية، وهذه العملية تتطلب الكثير من الجهد والعمل. اليوم، تمتلك بعض دول الخليج فضاءات من الحرية، قد تسمح بخروج الصحافة من عباءة السلطة، لتلعب دورها السلطوي الخاص بها، والذي لابد أن تلعب الصحافة فيه دورها بذكاء، إلا أن التجمعات الرأسمالية الإعلامية الخليجية، مازالت رازحة عند خياراتها الأولى، فتجدها أبواق ترويج سياسي ومجتمعي، للسلطة التنفيذية.

صحافة المعارضة

إذا... هل على الصحافة أن تهتم فقط بأخبار المظاهرات والتجمعات، وندوات الجمعيات والأحزاب وانتخاباتها؟ قد يعتقد البعض، أن الصحافة هي صوت المعارضة، وهذه مغالطة أخرى. قد تتوافق الصحافة الحرة مع المعارضة، إلا ان هذا التوافق لا يتم إلا عرضيا، بمعنى أن الصحافة ليست جهازا إعلاميا بيد المعارضة، وإذا أرادت المعارضة أن يكون لها صوت إعلامي خاص بها، عليها أن تصنعه بنفسها، لا أن تحاول فرض مرئياتها على الصحافة، أو أن تتهمها بأنها "صحافة حكومية"، إن لم تكن منسجمة مع مرئياتها. في هذه الزاوية تحديدا، تقف الصحافة في زاوية حرجة، هل هي صحافة حكومية؟ أو صحافة معارضة؟ وأعتقد أنه إذا صحت إحدى التهمتين، فإنها "الصحافة" ببساطة، ليست صحافة ولا إعلاما.

قد يتساءل البعض: إذا ماذا على الصحافة أن تكتب؟ وأقول ان على الصحافة أن تكتب كل الحوادث المهمة، من دون أن تقع في أحضان السلطة التي تنقل حوادثها وبرامجها التنموية، فهي ملزمة بأن تنقل أخبار الدولة، لكن دونما تصويرها بأنها شريكة للسلطة، وعليها أن تنشر فعاليات الأحزاب والجمعيات، لكن من دون ان تصور نفسها، انها داخل هذه المنظومة، أو أنها تروج لها، أو أنها سلطة معارضة بالمفهوم التقليدي.

الصحافة والإعلام المدني، هو جهاز منفصل عن كل السلطات، هو أفق يستقطب شتى سلطات المجتمع، هو بيت الجميع، يتحاورون ويتجادلون في فنائه، دونما أفضلية سياسية أو إعلامية لسلطة ما على الأخرى. لكن، كيف تكون لغة الأخبار ذكية وقادرة على الخروج من التهمتين، تلك قضية أخرى، لها شأنها الآخر

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً