"التنمية الاقتصادية" تعني حصول نمو متواصل "مستدام" في المجموع الكلي للمنتجات والخدمات، على أن ينعكس هذا النمو في الناتج العام على دخل الفرد. وهذا يعني أن نسبة النمو المتواصل "المستدام" يجب أن تكون أكثر من نسبة نمو السكان، كما يجب أن يكون معدل الغلاء أقل منه.
دولنا اعتمدت على النفط، وهذا يعني أن النمو الاقتصادي قام أساسا على وجود "هدية إلهية" توافرت تحت باطن الأرض ويتم استخراجها وتحصيل قيمتها. ولكن هذا النوع من الاقتصاد يسمى بالاقتصاد "الريعي"، أي ذلك الذي يعتمد على ريع من ثروة معينة. وفي العادة، فإن الدولة الريعية لديها نحو خمسين سنة يمكنها خلال هذه الفترة أن تستفيد من فائض ما تحصله في تلك الثروة في تأسيس اقتصاد ينمو على أساس وجود منتجات وخدمات متنوعة غير النفط "بالنسبة إلى غيرنا غير الذهب، والألماس... إلخ".
والبحرين كانت من أوائل دول الخليج في الالتفات إلى ضرورة تنويع الاقتصاد، ولذلك فقد تم تأسيس مصهر الألمنيوم والقطاع المصرفي، وهما من القطاعات التي توفر للبلاد دخلا قائما على أمر آخر غير النفط. ولو لاحظنا فإن بعض أسباب نجاح هذين القطاعين هو ارتباطهما بالأسواق العالمية واعتمادهما على مبدأ المنافسة، بمعنى أن الخدمات المالية البحرينية تنافس أفضل الخدمات المالية المتوافرة عالميا، ومنتجات الألمنيوم تنافس أفضل منتجات الألمنيوم المتوافرة عالميا.
غير أننا، ومنذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، جمدنا على ما حققناه في الماضي، ولذلك لم نتمكن من تطوير قطاعات ناجحة متشابهة لنجاح المصارف والألمنيوم. ومنذ الثمانينات تغيرت الدنيا كثيرا، إذ ازداد عدد السكان وانخفض مستوى الدخل بالنسبة إلى المواطن الاعتيادي، وانشغلت الحكومة بأولويات أخرى غير أولوية التنمية الاقتصادية. وبسبب اهتمام الحكومة بالجانب الأمني فقد توسعت أجهزت الأمن والاستخبارات. فهذه لعبت دورها في تحديد مجال النمو. فبالإضافة إلى المصروفات الكبيرة المطلوبة فقد خسرنا التجارة مع إيران وأغلقنا أبواب البحرين عن فرصة ذهبية.
في المقابل، استفادت دبي كثيرا من فتح أسواقها مع إيران، على رغم الخلافات السياسية، وتطورت دبي خلال الفترة ذاتها لتتحول من ميناء صغير يحتاج إلى خبرات ميناء سلمان في البحرين إلى واحد من أهم موانئ منطقة الشرق الأوسط، بل إنه بدأ يمتد عالميا. وتحولت دبي من منطقة سكنية صغيرة لم يكن لديها أي شيء مما كان لدى البحرين إلى مدينة تنافس المدن العالمية في الخدمات والتسهيلات.
وكل هذا لأن الإماراتيين فصلوا بين "السياسي" و"الاقتصادي"، وهذه هي الدعوة التي وجهها المدير التنفيذي لدار المال الإسلامي خالد عبدالله جناحي في حديثه مع "الوسط" الذي نشر أمس. فقد دعا جناحي إلى فصل "السياسي" عن "الاقتصادي" على جميع المستويات، ودعا إلى اتخاذ خطوات تتناسب مع ما أوصت به منتديات دولية مثل المنتدى الاقتصادي العالمي "منتدى دافوس" ومثل تأسيس "المجلس الوطني للتنافسية" الذي يستهدف وضع المؤشرات لمدى نجاح البحرين في خططها الإصلاحية من أجل تنمية اقتصادية مستدامة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ