يختلف المؤرخون على تحديد موعد لبدء المشكلات بين ابن تاشفين والأمير الشاعر المعتمد. فهناك من يقول إن المرابطين قرروا البقاء بعدما اكتشفوا ثراء الأندلس فقاموا باتصالات مع الأمراء وأصحاب المدن لنيل الدعم والمساندة، فحصلوا على تأييد أهل المرية في رسالة وجهها قاضيها أبوعبدالله بن الفراء. كذلك وجه بعض القضاة والفقهاء والعلماء رسائل مشابهة تطالب بالبقاء وتعزيز الثغور لوقف تقدم الفرنجة (المراكشي، جزء 4، ص 116).
هناك من المؤرخين من يؤخر الخلافات إلى بعد العبور الثاني الذي حصل سنة 481 هجرية (1088م) على إثر قدوم وفود أندلسية من أهالي بلنسية ومرسية ولورقة وبسطة إلى مراكش تطلب الدعم والعون على مواجهة هجمات الفرنجة. واتصل ابن تاشفين بالمعتمد ووافق الأخير على إرسال الدعم وإعادة استقباله في إشبيلية ووجه رسائل إلى «أمراء الطوائف» داعيا إلى الجهاد مع المرابطين. ولبى دعوة المعتمد أصحاب مالقة (المستنصر بالله تميم بن باديس) وغرناطة (عبدالله بن بلقين) والمرية (المعتصم بن صمادح) ومرسيه (ابن رشيق)، إضافة إلى رؤساء مناطق من شقورة وبسطة وجيان واجتمعت القوات وحاصرت حصن لييط وأخرجت الفرنجة منه.
بعد المعركة بدأ الخلاف بين ابن تاشفين والمعتمد. فالأول اتهم الثاني أنه يتصل سرا بالفرنجة وينسق معهم لتوجيه ضربة عسكرية لقواته. واتهم الثاني الأول أنه يفرض المكوس على الأمراء وأصحاب المدن لتقوية شوكته.
عموما بدأت المواجهة حين أمر ابن تاشفين قائد قواته سير بن ابي بكر بطرد «أمراء الطوائف» من الأندلس وإخراجهم إلى المغرب شرط أن يبدأ بالمناطق المجاورة لحدود الفرنجة وأن لا يتعرض لصاحب اشبيلية المعتمد بن عباد. وبدأت حرب إزالة «أمراء الطوائف» فباشر سير بأمراء هود (أصحاب روطة) ثم نازل بني طاهر في شرق الأندلس، وترك مناطق المعتمد لمرحلة لاحقة بدأت مع العبور الثالث في سنة 483 هجرية. (1090 م).
يتفق المؤرخون على أن العبور الثالث كان بداية نهاية عصر «أمراء الطوائف» بعد أن وردت الموافقة من علماء المشرق (الغزالي والطرطوشي) بإنهاء تلك الإمارات على شرط التعامل معها وفق ما تمليه الشريعة من حسن معاملة، وإعادة توحيد الدولة شرعيا وتأكيد بيعتها للخلافة العباسية. ويؤكد ابن خلدون في تاريخه على أن فتاوى الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس توافقت على خلع «ملوك الطوائف» وانتزاع الأمر من أيديهم، مع فتاوى صارت إليه من «أهل الشرق الأعلام مثل الغزالي والطرطوشي». (مجلد 6 ص 221).
وبسبب الدعم السياسي والشرعي من الخلافة العباسية اشتد ساعد دولة المرابطين واتسع نطاق نفوذها فاجتمعت حولها العصبيات وأخذت تتوحد في جيش مشترك لاسترداد الأندلس من «ملوك الطوائف» وهو أمر تم على خطوات انتهت في سنة 492 هجرية (1098 م) إذ، كما يقول ابن خلدون: «انتظمت بلاد الأندلس في ملكة يوسف بن تاشفين، وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم يكن» (مجلد 6، ص 222).
اضطر المرابطون إلى العبور الثالث بعد خلاف وقع بين ابن تاشفين ووالي مالقة (المستنصر) وشقيقه والي غرناطة (المظفر) فخرج إليهما واستولى على مالقة وغرناطة ورحلهما إلى المغرب واسكنهما في أغمات.
خاف المعتمد من تحركات ابن تاشفين وشعر بالندم وحاول تشكيل قوات أندلسية مشتركة لمواجهة خطورة الموقف فرد قائد المرابطين بالتحرك من مراكش إلى سبتة وأرسل ابن عمه سير بن أبي بكر لمحاصرة اشبيلية وبطليوس (المتوكل بن الأفطس)، وأرسل عبدالله بن الحاج على قوات لمحاصرة قرطبة لصاحبها المأمون (ابن المعتمد بن عباد)، وأرسل أبا زكر على عسكر ثالث وأمره بمحاصرة المرية (المعتصم بن صمادح)، وأمر الحشمي بمنازلة يزيد الراضي (ابن المعتمد ايضا) في رندة. وبقي ابن تاشفين في سبتة يتابع أخبار المعارك.
تهاوت دويلات أمراء الطوائف واحدة بعد أخرى، وسلم أصحابها بالأمر وارتحلوا إلى المغرب باستثناء أقوى قوتين: المعتمد بن عباد في اشبيلية، وابن هود الجذامي في الولاية الشرقية.
رفض المعتمد تسليم المدينة واتصل بالفرنجة طلبا للمساعدة فرفضوا الدعم فاقتحمها الأمير سير وقبض عليه وأرسله إلى المعتقل في أغمات وبقي في السجن إلى وفاته.
خاف ابن هود على إمارته بعد انهيار دولة المعتمد في اشبيلية سنة 484 هجرية (1091م) فاتصل بابن تاشفين طالبا الصلح، فأجابه عليه. وتسلم الأمير سير الأندلس كلها واستثنى الولاية الشرقية لصاحبها المستعين (ابن هود الجذامي) وتشمل سرقسطة وتطيلة وقلعة أيوب ودروقة ووشقة وبربشتر ولاردة وأفراغة وبلغي وسالم ووادي الحجارة. واحتفظ إقبال الدولة (علي بن مجاهد العامري) بمدينة دانية، والقادر بن ذي النون بمدينة بلنسية. واستمر هؤلاء يمارسون صلاحياتهم المحلية تحت مظلة دولة المرابطين ودائرة نفوذها إلى سنة 492 هجرية.
بعد الانتصار على دولتي ابن عباد وابن هود تم إعادة توحيد المغرب وما تبقى من الأندلس تحت راية المرابطين (الملثمون) فخاطب ابن تاشفين الخليفة العباسي المستظهر بالله وطلب منه «أن يعقد له على المغرب والأندلس، فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك»، إذ أرسل إليه التقليد والعهد على مختلف الأقطار والأقاليم كذلك «خاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير، ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله». (ابن خلدون مجلد 6 ص 223).
وتصادفت عمليات إعادة التوحيد في فترة كانت أوروبا تستعد لإرسال حملاتها العسكرية إلى المشرق، في وقت نجح النورمانديون في استكمال سيطرتهم على جزيرة صقلية وإنهاء الحكم الإسلامي هناك في سنة 484 هجرية. بعدها بدأ الفرنجة في الأندلس بمحاصرة بلنسية في سنتي 486 و487 هجرية، فعم البلاء وتضاعف الغلاء فطلب أهلها مساعدة ابن تاشفين فأرسل الدعم لكن الإمدادات وصلت متأخرة فسقطت بلنسية وأحرق قاضيها أبو أحمد بن جحاف بالنار (راجع المراكشي جز 4 ص 37).
بعد تثبيت البيعة قرر ابن تاشفين استرداد بلنسية فأرسل ابن اخيه محمد إلى الأندلس فاجتمعت عنده عساكر المرابطين المغربية والصحراوية وعساكر الأندلس وأصحاب مدنها (تأييد الدولة، وسيد الدولة، وحسام الدولة، ونظام الدولة). ويسخر المراكشي من تلك الأسماء ويرى أن أفعالهم كانت ضد ألقابهم. وبعد معارك كر وفر نجح المرابطون في استرداد بلنسية في سنة 495 هجرية (1101م) بعد احتلال دام «ثمانية أعوام وشهر ونصف الشهر» (المراكشي، جزء 4 ص 42). بعد موقعة بلنسية نجح ابن تاشفين في كسر موازين القوى والانتقال بالأندلس من مرحلة التفكك وازدواجية السلطات إلى مرحلة التوحد وتثبيت مركزية الدولة في مراكش وربطها بعاصمة الخلافة بغداد. وأدت معارك إعادة تحرير الأندلس بقيادة المرابطين إلى تثبيت حكم المسلمين وتعزيزه نحو 400 سنة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2401 - الخميس 02 أبريل 2009م الموافق 06 ربيع الثاني 1430هـ