الثانية: حرص مصر على استقلال البحرين وعدم المساس بسيادتها والتعبير عن هذا الحرص بطريقة عملية ابتداء من زيارة الرئيس حسني مبارك للبحرين ثم زيارة رئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور.
الثالثة: الاهتمام السياسي والإعلامي المصري بما يحدث في البحرين من تجربة ديمقراطية رائدة بين الدول العربية والدول النامية.
الرابعة: اهتمام مصر بقضية مهمة وهي أمن الخليج هذا الأمن الخليجي له زواياه وأبعاده والتي في مقدمتها أنه مسئولية دول الخليج العربية لأن أمن الخليج ينصرف في مستواه الأول إلى أمن الدول العربية الخليجية لأنه هو المهدد، ومن ثم لابد من تكاتف دول الخليج في هذا الإطار، ومن ناحية أخرى لأن أمن الخليج في شقه العربي مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي العربي سواء كان تهديد أمن الخليج جاء من دولة عربية جارة أو دولة إسلامية جارة، أو من دولة أجنبية جغرافيا وسياسيا وثقافيا عن المنطقة وثالثها أن أمن الخليج مرتبط بمستقبل المنطقة العربية التي يجري للأسف تهميشها والافتئات على سيادة دولها ومصالحهم.
من هذا المنطلق يمكن أن نفهم أهمية وأبعاد زيارة أحمد فتحي سرور وتصريحاته بأن أمن الخليج شأن عربي وليس أجنبيا. وكذلك من هذا المنطلق تأتي نتائج زيارة رئيس مجلس الشعب المصري ولقاءاته مع نظيره رئيس مجلس النواب البحريني ومع رئيس مجلس الشورى ومع رئيس الوزراء وغيرهم من كبار المسئولين.
ونتساءل كيف نقيم هذه الزيارة؟ وفي الإجابة على ذلك نقول إنه يمكن النظر لهذه الزيارة في ثلاثة أطر:
الأول: البعد التاريخي للعلاقات البحرينية المصرية وهي علاقات اتسمت بالصداقة والمودة ولم تواجه أية مشكلات في تاريخها حتى في أثناء القطيعة العربية لمصر بعد اتفاقات كامب دافيد كانت البحرين من أقرب الدول إلى مصر واستمرت اتصالات وتنسيقها معها دون توقف. ولعبت القوى الشعبية والمثقفون والدبلوماسيون من الطرفين دورا بارزا في هذا الصدد.
الثاني: البعد الحاضر وهنا نلمس استمرارية التشاور على مستوى القمة بين البلدين وحرص كل من الملك حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس حسيني مبارك على دوام الاتصال والتشاور. كذلك زيارات العديد من الوزراء في المجالات الاقتصادية المختلفة لتنمية الاستثمارات المتبادلة وتنشيط السياحة والعمالة بين الجانبين وكما أن لبعض رجال الأعمال البحرينيين استثمارات في مصر فإن بعض رجال الأعمال المصريين لهم استثمارات مهمة في البحرين. ومع هذا فإن هذا المجال لم يتم سبر أغواره والاستفادة من إمكانياته كما يجب، وتحتاج مصر لتطوير بعض قوانينها وتحسين الخدمات فيها لكي تكون قوة جاذبة كبيرة للاستثمارات والتعليم والرعاية الصحية والسياحة. فالمواطن البحريني يتجه حاليا لدول آسيوية وعربية تتوافر فيها الخدمات السهلة والأسعار المناسبة والقوانين المريحة والواضحة في تلك المجالات.
الثالث: البعد المستقبلي وهو بعد مهم في تخطيط السياسات والاستراتيجيات للدول والشعوب. فالبحرين في عملية انطلاق كبرى لتطوير البنية الأساسية، ويمكن أن تساهم الشركات المصرية في هذا المجال شريطة أن تكون هذه الشركات جادة وذات صدقية وأن تكون العمالة مؤهلة تأهيلا جيدا وتعرف قيمة الجودة وقيمة الوقت. وهذا يضع عبئا على رئيس مجلس الشعب باعتباره قيادة سياسية مهمة في الدولة أن يوضح هذه المفاهيم للوزراء والمسئولين والمثقفين ورجال الأعمال في مصر بل والمسئولين عن العمالة المصرية.
وهناك أبعاد إستراتيجية أمنية وسياسية تدركها القيادات العليا في البلدين، ولكن للأسف بعض القيادات الوسطى وخاصة في مصر لم تستوعب بعد الفكر الإستراتيجي وتحتاج لمزيد من هذا الاستيعاب ليس فقط بالنسبة للبحرين، بل وأيضا بالنسبة لدول الخليج التي تطورت كثيرا عما كانت عليه في الماضي، سواء في البنية الأساسية أو في الإنتاجية، أو في الثقافة، ولاشك أن بناء الإستراتيجيات والعلاقات المستقبلية بين الدول والشعوب لابد أن تقوم على رؤية واضحة تعتمد الحقائق الراهنة، وليس الجمود في الفكر الماضوي أو تكرار المسائل العامة والعبارات الإنشائية أو توهم ما ليس قائم بأنه قائمة حقيقة.
إن تجربة البحرين التنموية والحقوقية والبرلمانية والسياسية رغم حداثتها تعتبر من بين أفضل التجارب العربية - كما ذكر بحق - رئيس مجلس الشعب المصري أحمد فتحي سرور وهذا يستدعي أن تحظى بالدراسة والتأمل من جانب القطاعات الفكرية والمثقفين المصريين.
وأخيرا ثمة رسالة حملني إياها الكثيرون من أعضاء الجالية المصرية في البحرين وهذه الجالية من المثقفين والمهنيين والأكاديميين، وخلاصة الرسالة «إنهم يعانون كثيرا في تعاملهم مع الوزارات الخدمية في مصر وخاصة وزارتي التعليم والتعليم العالي حيث يتم تغيير القوانين التي تمس مستقبل أبنائهم فجأة ودون إعطاء مهلة، وكذلك حصولهم على أراض للبناء، والرعاية الصحية والاجتماعية، وعدم وجود قواعد منظمة لمشاركتهم في الحياة السياسية في مصر». وأنا بدوري أنقل هذه الرسالة لرئيس مجلس الشعب بحكم تأثيره وثقله في النظام السياسي المصري، وإنني لعلى ثقة بأنه سيؤثر على الأجهزة البيروقراطية ويدفعها لتغيير مواقفها من مشكلات المصريين في الخارج.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2401 - الخميس 02 أبريل 2009م الموافق 06 ربيع الثاني 1430هـ