العدد 935 - الإثنين 28 مارس 2005م الموافق 17 صفر 1426هـ

الكفر وربطات الخبز والبطن المنفوخ

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الإنسان المنصف يفكر في إيجابيات الآخر، لهذا يجب أن نوقد الشموع البحرينية التي أطفأها الإحباط. .. بعض هؤلاء ينام على الرصيف لأن الوشاة كثيرون... وبعضهم رحل تحت عجلات الفساد وبعضهم راح ضحية الكبار، تماما عندما تتصارع الفيلة يموت العشب. ما أريد أن أركز عليه بدلا من أن نضع كل المجتمع في سلة واحدة فنتهمه بعدم الوطنية... بدلا من أن نشير إليه بذلك يجب أولا أن تعقم هذه الإصبع، ويجب أن يكون - صاحبها مثقفا كان أو خطيبا - فوق مستوى الشبهات، وقديما قيل: كل أضواء العالم لا تستطيع أن تضيء قلب الحقود... سواء أكان الحاقد هذا على مال أو على وطن أو على أمة، والنفس الكبيرة تعلو على الضغائن واحتقار الآخرين... علمنا التاريخ والفلاسفة والعلماء والزمن أيضا أنه كما لا يستقر الماء على الجبل... لا يستقر الكره في القلب الكبير.

علماء النفس شخصوا تلك العقد وخصوصا أولئك الذين يعانون من إعاقة فكرية أو نفسية... مهما كانت يبوسة الأرض يجب أن نلقي فيها دلاء من التسامح وإن ابتلعتها... يجب أن نصوغ المواطن البحريني ونزيل من عقله وفكره وبدنه تلك الترهلات وتلك الشحوم التي تراكمت عليه 30 عاما من ترسبات قانون أمن الدولة. البحريني الذي يفكر في الوطن بعينين من دون أن يلغي مجتمعا أو يتصيد على أحد... لا يعالج الأزمات بالانفعال، ولو سلمت النيات في أن أكياس النصائح التي يوزعها الخطباء في كل مناسبة أو حدث هي لأجل صالح الناس وحبا فيهم - وإن طفح السب والشتيمة فيها - أقول لو سلمت النيات لا شك أنها تنتهي بمأساة، تماما كمأساة الدب الذي حاول إنقاذ صاحبه من الذبابة فحطم رأسه بالصخرة.

قبل أن ننتقد، قبل أن نصدر بيانات، قبل أن نستعرض عضلاتنا، قبل أن نوزع دروسا في الوطنية، يجب أن نكون بحجم الخطاب ونمتلك صدقية الخطاب... الوطنية أن نفسح مجالا للمساواة، الوطنية ألا تقسم الوظائف تحت الطاولات... الشراكة في الوطن أن تذكرني أيضا ساعة توزيع الغنائم، ساعة توزيع الترقيات والرتب، ساعة توزيع شوكلاتة البعثات... أقول: لماذا لا تستيقظ وطنية بعض هؤلاء الخطباء أصحاب الجلود الحريرية أو بعض أولئك النخب من كتاب وصحافيين ومحامين... أولئك الذين أصبحوا يبدلون مواقفهم كما يبدلون أحذيتهم... أولئك الذين امتهنوا بيع الشعارات وإلقاء المواعظ وهم جالسون على كراسيهم الهزازة في حال استرخاء يتصببون عسلا، والعمال البحرينيون تطحنهم المصانع، مكدسين على بعضهم كأنهم أكياس طحين بلا حقوق.

هؤلاء يريدون أن يصوروا لنا أن الحكومة مثل الإله، مسئولة عن الخير فقط وهذا خطأ يوقع الحكومة في وهم التشخيص والتضخم والنرجسية أيضا. كما أن الناس يخطئون فكذلك الحكومة تخطئ... وإلا فمن المسئول عما جرى لملف التأمينات والتقاعد، أو ملف الأوقاف الجعفرية، أو ملف التمييز، أو ملف الفساد المالي والإداري؟

الخطأ هو عندما نحشو رؤوس الناس بأن الحكومة شر مطلق أو خير مطلق... الحكومة فيها خير وفيها شر، ومن مظاهر الخير أننا الآن نتحدث بحرية - ولو كانت نسبية - في الصحافة، بدأنا نشهد مشروعات إسكانية وتعديلا في القرى والمدن وفي الطرقات، وخفض الرسوم في الجامعة، ونشر أسماء المبتعثين في الصحافة، وتشكيل لجنة لترميم وبناء البيوت الآيلة إلى السقوط... هذا جزء من مظاهر الخير، ولكن هناك أخطاء يجب أن تعدل، منها ازدياد التمييز بشكل أكثر من السابق وخصوصا في التوظيف بشهادة الأمم المتحدة في ذلك، ومن يحب الحكومة لابد أن يهمس في أذنها بالنصيحة الخيرة المطعمة برائحة الليمون.

أعود فأقول: الدنيا مازالت بخير، علينا أن ندعم الأمن والسلام والحب بين المواطنين ولا نؤلبهم حتى وإن ابتلينا بغريزة الصراخ... يجب ألا نتقيأ على الناس كلاما بذيئا كل صباح بخطبة أو ببيان... يجب أن نهدئ قلوب شبابنا بمنحهم الأعمال، بتزوجيهم، بتوفير المسكن لهم، والرسول "ص" يقول: "النفس إذا أمنت قوتها اطمأنت"، ومن الأقوال المأثورة في هذا الصدد كذلك: "لولا الخبز لما عبد الله"، و"ما دخل الفقر بلدا إلا وقال الكفر خذني معك"، و"لو كان الفقر رجلا لقتلته"، و"الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن"، وقديما قيل: "من امتلأ كيسه وعظ الفقراء"، وتلك حقيقة إذ إن من يعمل، من يؤمن قوته يكون أكثر استقرارا.

دعونا نصنع الحلم في المهارات، فهناك طاقات بحرينية تحتاج إلى عناية من الدولة، تحمل طموحا كبيرا، ازرعوها في الوطن وستنتج رياحين، تماما كما أصبحت لنا الصدارة في كرة القدم وفي الكرة الطائرة والجري والأثقال، بإمكاننا أن نحقق الكثير في الفن والأدب والرياضيات.

دعونا نسأل أنفسنا: كيف أصبحت اليابان أقوى دولة كبرى؟ في العام 1950 كانت اليابان مدمرة تماما، خسرت خلال الحرب نسبة من الشباب أعلى مما خسرته أية أمة أخرى طوال الـ 200 سنة الأخيرة... مدنها احترقت تماما، فدعت اليابان إلى اجتماع كل القادة الحكوميين والصناعيين وقادة المجتمع التربوي، وبدأوا في التأسيس حتى بلغوا الهدف، وقالوا: إننا لا نحتاج إلى بناء جيوش وأجهزة أمنية بحجم الديناصورات... إننا نحتاج إلى بناء الإنسان الياباني... ونجح المشروع

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 935 - الإثنين 28 مارس 2005م الموافق 17 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً