العدد 935 - الإثنين 28 مارس 2005م الموافق 17 صفر 1426هـ

تأكيد على اللغة المشتركة والزمن المتقاسم

في ندوة الرواية والتاريخ بمهرجان الدوحة الثقافي:

الدوحة - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

أنهت ندوة الرواية والتاريخ فعالياتها بقاعة المها بفندق الشيراتون مساء الخميس 24 مارس/ آذار الجاري. وكانت الندوة عقدت على مدى ثلاثة أيام وتناولت ثلاثة محاور رئيسية، الأول: الرواية التاريخية، تجارب وشهادات. وتناول المحور الثاني: الرواية التاريخية... القواعد والأسس السردية، بينما خصص المحور الثالث من الندوة للحديث عن الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث.

وشارك في الندوة نخبة من الوجوه الثقافية والروائية الفاعلة، فقدمت مجموعة من الروائيين كواسيني الأعرج، طارق علي، جيمس رستن، والروائي العراقي عبدالخالق الركابي، في الجلسة الأولى من الندوة مفهوما للرواية التاريخية واستلهام الماضي فيها.

شهادات في الرواية التاريخية

وخلص المنتدون الى تأكيد أن التاريخ لا يكون تاريخا إلا عندما يكون في حقله ونظامه الذي وجد من أجله، خاضعا لضغوطه وقوانينه الصارمة. لكنه حين يغادره باتجاه الرواية تنتفي حقيقته الأولى التي كانت إلى وقت قريب تبدو ثابتة ويصبح فعل القراءة الروائية من حيث هو فعل منتج، مشروطا بنظام الرواية واتساع المتخيل وحريته. أي أن على التاريخ أن يقبل بترك ثوابته وصرامته عند عتبات الرواية ويحتمي بالنسبية والهشاشة التي تسبغ الفعل الروائي الذي لا يرتكن أبدا إلى اليقين. ففي اجتهادها وكدها، لا تأخذ الرواية المادة التاريخية كحقيقة مطلقة وليس شرطا أن تأخذها مادة للاختبار، ولكنها تبحث في عمقها عما يمكن أن ينتظم داخل النسق الروائي، مضيفة شيئا جديدا إلى التاريخ. وقد تهز يقينه جذريا إذا توافرت المادة الثقافية التي تحول الرواية كذلك إلى ميدان للبحث. وصحيح أننا نحتاج إلى قدر كبير من المعرفة التاريخية لتشييد رواية تاريخية أو على الأقل تحمل هذه التسمية. وبديهي، أنه لا يمكننا أن نكتب رواية تتصف بالتاريخية ونحن نبني كل شيء على الفرضيات وغنى المتخيل الشخصي. يحتاج فعل مثل هذا إلى تعب القراءة والمتابعة والتقصي والغرق في التفاصيل التي كثيرا ما يقولها التاريخ كهوامش. وربما قد نقرأ أكثر مما فعله مؤرخون عدة مجتمعون ونلاقي كل الفرضيات الممكنة وقد نخرج بشيء جديد يكون هو المحرك للنص الروائي، وقد لا نتوصل إلى أي شيء ويتوقف عملنا عند حدود القراءة التي لا تجد صداها في الكتابة الروائية.

وأضافوا "ان خطابنا الروائي اليوم يتوجه نحو نفسه بحدة لا لكسرها ولكن للدخول في عمقها، ويتوجه نحو الآخر من منطلق الحداثة المشتركة التي لا تعني مطلقا المحو الذاتي في النموذج الثابت الذي يبدو أمام أعيننا مطلقا ومنتهيا. لا يمكننا أن نصل إلى الآخر إلا من خلال اللغة المشتركة والزمن الذي نتقاسمه معه. وهذا يحتم على الرواية العربية انفتاحا كبيرا واقتحاما جريئا يضع أمامنا المشهد العالمي في كل تناقضاته واتساعه. الآخر المتعاظم لا يعرفنا جيدا. وكثيرا ما يرفض أن يفعل ذلك لأنه يعرفنا بطريقته الاختزالية التي ليست دائما صحيحة ودقيقة. ولكن يمكن للرواية أن تغير من العلاقات الجاهزة وتتحول إلى وسيلة حية ومشتركة للانغماس في العصر وتقبل الخسارات الناجمة عن ذلك وترميمها. فالرواية جسر رابط ومتخيل يضع الآخر في موقع الإدهاش عندما يكون النص المنجز معبرا فعلا عن أدق اللحظات التاريخية حساسية وتقاسما. ونحن ندرك اليوم جيدا قوة التأثير التي مارستها الرواية الأميركية اللاتينية في ذاكرة الشعوب وكيف أوصلت ثقافتها وهواجس إنسانها إلى الآخر، التي اعتبرت إلى وقت قريب هواجس ثقافية بدائية لا تستحق الاهتمام بها والبحث في دقائقها لولا بعض الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة القيمة التي دمرت هذا المنطق الترابي في حياة الشعوب من الناحية الثقافية "إذ لا توجد شعوب بلا تاريخ". هذا التصور الاختزالي يعني بكل بساطة أن تاريخ هذه الشعوب إن كان مجهولا فلا يعني هذا أبدا أنه غير موجود. اذ أنه منذ عشرات بل مئات آلاف من السنين وجد هناك بشر أحبوا و كرهوا وتألموا واخترعوا وحاربوا".

موقع الرواية التاريخية

بينما تناول كل من محمد شاهين، سعيد يقطين، محمد القاضي موقع الرواية التاريخية في الأدب العربي، والرواية التاريخية وقواعد النوع الأدبي، وتوظيف المادة التاريخية في الرواية. فأشاروا الى تعرض التاريخ حديثا لما تعرضت له الرواية إثر هبوب رياح ما بعد الحداثة على الاثنين، والتي نادت بأعلى صوتها أن لا حقيقة ثابتة في الاثنين. وكل ما يمتلك التاريخ وما تتضمنه الرواية ما هو إلا حقيقة يظل الوصول إليها عصيا، بل ومعلقا إلى ما لا نهاية. فأضحت قراءة التاريخ مثل قراءة الرواية تخضع لقراءات عدة تشتق من النص متحررة من المؤرخ الذي يدون التاريخ ويبحث فيه ومن المؤلف الذي يكتب الرواية ومن الظروف الآنية والمكانية التي أحاطت بكتابة النص التاريخي والنص الروائي.

ودللوا على ذلك بقولهم "لو ألقينا نظرة على مناهج التاريخ في الجامعات البريطانية لوجدناها تشتمل على مراجع كلها تشن هجوما على التصور التقليدي للتاريخ وطرق تدريسه الدارسة. فهذا هو كيث جنكن على سبيل المثال يقول في كتابه "إعادة التفكير في التاريخ" ان التاريخ نظرية، والنظرية لها صفات الايديولوجية، والايديولوجية تتضمن رغبات مادية. ومن المراجع الأخرى المشابهة كتاب بيفرلي ساوثجيت: ماذا ولماذا "وثمة مرجع آخر للمؤرخ ألن منسلو بعنوان: "تفكيك التاريخ".

"وهكذا ضاعت الحقيقة التي كنا نلهث وراءها في التاريخ والرواية. وهكذا، مازالت الحواجز التي كانت تولد التوتر بين شقي المعرفة وأحيلت الأزمات كلها إلى عباءة النظرية التي يجللها النص. ويظل السؤال قائما : هل ستتسع هذه العباءة لتأويلات مجهولة الهوية أصلا؟ وهل ستفتح الباب على مصراعيه لتسويق حقيقة مغرضة؟".

الرواية التاريخية والأدب الحديث

وتحدثت المجموعة الثالثة من المنتدين وهم: أهداف سويف، صلاح فضل، عبدالله ابراهيم، فيصل دراج عن نجيب محفوظ وجورجي زيدان وعلاقتهما بالرواية التاريخية، وعن الرواية التاريخية العربية في سياقها وشروطها الثقافية.

فأكدوا الرواية التاريخية التي تمعن في استحضار عوالم بعيدة تفصلها عنا لغات مندثرة وثقافات منقطعة غارقة في كهوف الماضي السحيق لا تفرض على الكاتب هذا التفرد في النبرات والأساليب إلا بقدر ما يستطيع تمثله من فوارق الأعمار والطبقات والثقافات، ما يجعلها موطئا أيسر لانبهام الطابع الحواري وأشد قابلية للنجاح في مقتبل التجربة الإبداعية. وإذا كان كتاب الرواية التاريخية العربية يواجهون مشكلة تعدد اللهجات والمستويات في العربية التي لاتزال حية على الألسن وفي الوعي الجمعي فإن من يختار التاريخ الفرعوني يظل بمنأى نسبي عن مواجهة هذه المشكلة وحساسياتها الدقيقة لدى المتلقي، فهو على أية حال يترجم لغات أخرى لا سبيل إلى التقاط إشاراتها ورموزها وبوسعه أن يضفي عليها من النبل والجمال ما يليق بالهالة المقدسة المحيطة بتاريخها.

"وقد ولدت الرواية العربية في زمن مسيطر، دفع بالوعي العربي إلى مساءلة ذاتية، تقارن الزمن العربي الراهن بالزمن الغريب المتفوق عليه من ناحية، وتقارن الزمن الأول بزمن عربي قديم كان متفوقا على غيره. ولهذا بدا التاريخ، منذ البداية، عنصرا داخليا في الرواية العربية، تسائله وتلوذ به وتحاول محاكاته. ولم يكن سؤال التاريخ، في الحقل الروائي، إلا سؤال الهوية الذاتية الثقافية المأزومة، إذ الأديب العربي يحاول جنسا أدبيا جديدا غريبا عنه محاولا، في الوقت ذاته، التوفيق والمصالحة بين الوافد الكتابي وموروثه القديم، كما لو كان في القديم ما يصون الكتابة من التيه".

"وفي الحالات كلها، فإن علاقة الرواية العربية بتاريخها في مستوياته المتعددة، تؤمن أهدافا ثلاثة: رؤية وقائع الحاضر بوضوح لا يسمح به الزمن المباشر المعيش، تأصيل الرواية العربية، إن صح القول، أو تمييزها، بشكل أدق، عن طريق إنتاج شكل روائي مغاير لغيره، لأن الشكل الروائي الكوني لا وجود له، وخلق علاقة أليفة بين القارئ والنص، لأن نصا ينتمي إلى زمن القارىء الثقافي أقرب إليه من نص روائي يستلهم تجارب غريبة عنه"





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً