الأمل يحدونا دائما كيف نضيء إضاءة معرفية على قامة الوطن، لهذا نرفض البيانات المليئة بالثقوب والشقوق والتي تفوح منها رائحة الأسواق القديمة. .. لقد أصبحت دكاكين الثقافة تبيع الأفكار المثقوبة في علب السردين جاهزة في تقسيم الناس إلى عسكر وحرامية وملائكة وشياطين. هؤلاء الكتاب يريدون أن يخلقوا اليأس في عيون الناس وأملهم أن تحترق العلاقة الجميلة بين المجتمع والسلطة... "بلاد تحاول أشجارها من اليأس أن تتوسل تأشيرة للسفر...". هذه الخطابات المثقوبة كالأحذية القديمة تحاول دائما أن تزرع اليأس بدموع بلاستيكية إما على منبر أو على صحيفة، وتتظاهر الانفعال كي تبقى مستأثرة بالكعكة في كل شيء. تناسى هؤلاء قول السيد المسيح "ع": "من لم يقترف منكم خطأ فليرمها بحجر". لا نريد دروسا في الوطنية... مللنا هذا الزعيق، فالوطنية تعني المساواة أيضا... فلنفكر في صناعة الإنسان البحريني بعيدا عن التأدلج المناطقي... بعيدا عن لغة الإقصاء وتكفير الآخر، والمواطن يستطيع أن يغير من حياته ولو أننا كلنا عملنا لحلحلة القضايا بواقعية وعلمية لتغير الكثير... وللنظر إلى دروس الشعوب والحكومات كيف عملت لأجل التغيير.
أضرب لكم مثالا... الصين الشعبية عانت من مشكلة أمراض وأوبئة... انتشرت في القرى والمدن بشكل جنوني... ماذا فعلت؟ هل اعتمدت على وضع المكياج في الصحافة للتستر على الأزمة؟ أبدا، بدلا من انتظار سنوات طويلة حتى يتخرج الأطباء من كليات الطب قامت بتدريب الشباب تدريبا سريعا، وفي شهور قلائل جندت لها جنودا من هؤلاء الشباب لمكافحة الأمراض... نشرتهم في أنحاء الصين واستطاعت أن تحاصر المشكلة.
في إيران في فترة من فتراتها التاريخية... كل موظف يعمل على تدريس 10 من المواطنين بلا أجر ويثبت ذلك يرتقي في السلم الوظيفي... وراح المتعلمون والموظفون يثبتون جدارتهم بتعليم أهل القرى... هذا أمام شجرة يعلق لوحة وذاك أمام نهر، وهكذا استمرت العملية واستطاعوا أن يحدوا من الأمية.
وكاسترو فعل الأمر ذاته في حربه على الأمية، فقد قرر في عام واحد محو الأمية، فعمل على خطة مدروسة لذلك، ووضع قرارات من شأنها تشجيع الناس.
في سنغافورة... واجهت أزمة التضخم السكاني وكثرة المواليد ووضعت ضرائب للابن الثاني على شهادة الميلاد وعلى الثالث، وهكذا إلى أن تم تنظيم النسل.
وفي ماليزيا وضعت خطة لشباب "الخنافس" أصحاب الشعور الطويلة... وكذلك في سنغافورة، إذ يلزم كل ذي شعر طويل الوقوف في آخر الطابور في وزارات الخدمات وغيرها مما يستدعي المعاملة القصيرة فترة زمنية طويلة، والقضية ليست دائما تحتاج إلى خطب وعصا أو إلى مكياج صحافة وعويل وبكاء في الإذاعات... القضية تتطلب أحيانا تفكيرا جديا وخططا مدروسة.
في البحرين مثلا، نقول سنحارب البطالة، إلا أن مشكلة الفري فيزا تقوم على "الهوامير"... إذا، أين الحل؟
نريد أن ندفع الناس نحو المواصلة وفي الوقت ذاته يتم توزيع الوظائف تحت الطاولة ولا تنشر في الصحافة... إذا، كيف سنرسخ المساواة؟
نريد ألا تنقطع الكهرباء وفي الوقت ذاته تقام عشرات المشروعات العمرانية من دون أن نفكر كيف سنؤمن لها الطاقة الكهربائية.
نقول: نريد خريجين مطلوبين في سوق العمل، وفي الوقت نفسه مازالت التخصصات التي تشبعت فيها السوق تدرس في الجامعات والمعاهد وتضخ بطالة جديدة في سوق العمل!
يسرق مواطن ثلاثة دنانير يحكم عليه ثلاثة أشهر مع التنفيذ، في حين - على رغم كل ما أثير عن الفساد والتحقيقات - لم يقدم ولا شخص واحد إلى المحاكمة!
نريد حل البطالة... إذا، لماذا لا نقوم ببحرنة الشرطة أو حراس أمن المؤسسات؟ لماذا لا نقوم ببحرنة الوظائف العادية في الوزارات، من سكرتير أو موظف حاسوب أو مراسل أو قارئ أسماء في مستشفى؟... هل هذه تحتاج إلى عبقريات وإلى خبرات أجنبية؟
مازال بإمكاننا أن نقوم بالكثير من أجل البحرين، لكن يجب أن نتعاون. في مؤسسات الدولة يوجد أجانب كبار في السن وصلوا إلى سن التقاعد في وزارة الكهرباء وغيرها، لماذا لا يحالون إلى التقاعد ويحل محلهم بحرينيون؟ هذه التورمات في جسد الوزارات بالإمكان استئصالها بالإحلال وبالمساعدة وبالرقابة وإيجاد وزارة تخطيط وبالشفافية.
يجب أن نزيل إحباط الشباب بضخ مزيد من الأفكار البناءة ومساعدة الدولة أيضا بتوصيل اقتراحات تخدم الجميع، أما اعتماد الوشاية والسب واصطياد الأزمات فإن ذلك لا يخدم أحدا.
إن بعض المنتفعين من المحسوبية اتخذ من تهميش مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة مخلب قط لجرح التنمية وينعشهم كثيرا بقاء العظم ساعة توزيع اللحوم
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 934 - الأحد 27 مارس 2005م الموافق 16 صفر 1426هـ