الإنسان هو محور التنمية الأول، ورصيد الدولة بلا حماية حقوق الإنسان صفر أصفر، فماذا يستفيد المرء من حصول بلاده على المركز الأول في كل حاجة، وأية حاجة، وهو يرفع رغيف الخبز مطالبا بحياة أفضل وبعمل يغطي نفقات الحياة المتزايدة؟! شعب يحمل أبناؤه رغيف الخبز في مظاهرة هو بحق شعب فقير، ولا مسوغ، ونحن في دولة نفطية، تدر عليها الأموال من كل حدب وصوب من الجيران والأصدقاء، وتتمتع بخيرات في باطن وعلى سطح الأرض تغطي نفقات من يعيشون عليها؛ بل وتتعدى ذلك لتساهم في مساعدة الأوطان التي تمنى بكوارث، بينما الأجدر بنا أن نعالج كوارثنا المحلية التي تضاهي كوارث الأمم. أليست المقشع مثالا؟ أليست المحرق المدينة القديمة "قلب البحرين النابض" وحالة أبي ماهر مثالا آخر؟ أسألوا عبدالكريم بوعلاي، وهو الشخص الذي حمل ملف بيوت حالة أبي ماهر على كاهله وانكر ذاته "إذ لا يسكن في تلك المنطقة وليست له أية تطلعات انتخابية مقبلة" وهو لم يكلف نفسه إلا بما كلفه الشرع الحنيف ومبادئ المواطنة الصالحة لهذا الوطن العزيز. أختلف مع الرجل في حبه لأشياء أبغضها، وأتفق معه في عمله الإنساني الرائع الذي لا يرتجي منه - كما هو معروف عنه - إلا ابتغاء وجه الله.
الفقر في البحرين علامة فارقة وصفعة ساخنة على وجوه المتمرغين في نعيم البلد، ولا ينبغي لنا ونحن نتطرق إلى هذه المشكلة أن نلفها بغلاف طائفي أو مناطقي، بل هي محنة وطنية شاملة تعاني منها غالبية مناطق المملكة وطوائفها.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن"، فما هي صعوبة الغربة؟ هي تلك التي نراها في وجوه العدد الكبير من أبناء الوطن، اغترابهم لا يعني اغترابا ماديا "جسديا" إنما هو ذو شق معنوي نفسي، فما هي الأفكار التي تلتف حول خلايا عقل الإنسان العاطل عن العمل؟ والذي لا يستطيع أن ينفق في بلاده معشار ما ينفقه الغرباء؟ أي نجاح يرتجى للمشروع الإصلاحي في ظل وجود هذا الكم الهائل من العاطلين عن العمل؟ وأي نجاح في ظل التمييز الطائفي والعرقي والقبلي/ العشائري؟ أليس وضعنا يشبه إلى حد بعيد العيش في القرون الماضية؟
إن قوانين القرن الجديد تختلف اختلافا جذريا عن تلك القوانين التي كانت تحكم حياة الناس في القرون الماضية، فلينتبه القائمون على الأمر إلى ذلك، قبل فوات الآوان، إن لم يكن قد فات. فالفقر هو أحد اسباب الانزلاق نحو الهاوية بالنسبة إلى الكثير من أبناء الأسر البحرينية، والهاوية هنا قد تكون هاوية سياسية "الفعل السياسي العنيف" أو هاوية اجتماعية "الانحراف السلوكي الأخلاقي بالنسبة إلى الشباب" أو الانحراف نحو استخدام أساليب إجرامية من أجل تحصيل مبالغ مالية لتغطية كلفة المعيشة اليومية المتزايدة.
لذلك، جاء قانون الضمان الاجتماعي، الذي تقدمت به كتلة الأصالة في مجلس النواب، كأحد أهم القوانين - على الإطلاق - التي تم تقديمها في المجلس، ولكن اعتقد أن الأصالة مازالت تراوح في مكانها قبال السلطة، وتتعامل مع السلطة بأسلوب تم تجاوزه منذ الانفراج السياسي. قد يفهم من هذا الحديث على أنه حديث تحريضي ضد السلطة، وقد يفهم أنه حديث الناصح لهذا التنظيم، إلا أنه في محصلة الأمر هو حديث المحب للوطن من المقشع إلى حالة أبي ماهر، حديث المحب لجميع أبناء الوطن "سنة وشيعة" ذلك لكي ينالوا جزءا يسيرا من ثروة سطح وباطن الأرض التي يمشون عليها ويلثمون ترابها من شدة الجوع. فهل يبتكر العقلاء في "الأصالة" استراتيجية جديدة من أجل نجاح تمرير هذا القانون؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 934 - الأحد 27 مارس 2005م الموافق 16 صفر 1426هـ