عندما يستقيل شيخ محترم ونزيه مثل الشيخ عبدالحسين العريبي من منصبه رئيسا لمحكمة الاستئناف الكبرى الجعفرية لأنه لم يجد رغبة حقيقية جادة من المجلس الأعلى لتحسين أوضاع المحاكم الشرعية السنية والشيعية كما كان يأمل عندما عين عضوا في المجلس الأعلى بحكم منصبه رئيسا لمحكمة الاستئناف العليا الشرعية "الدائرة الجعفرية" العام ،2004 فإنه يجب أن يجد الاحترام من المسئولين في وزارة الشئون الإسلامية لا أن يقابل بالتهديد مقاضاته لأنه صرح بسبب استقالته، التي ذكرتها في المقدمة، في الصحف بعد أن قدم تلك الاستقالة وقبلت وأصبح خارج نطاق الوزارة كقاض.
إن هذا الشيخ الفاضل قال كلمة حق يمليها عليه ضميره الديني بصفته قاضيا شرعيا عمل في القضاء منذ العام 2001 في محكمة الاستئناف العليا الشرعية "الدائرة الجعفرية". وشهد ما حز في نفسه من ظلم الزوجات الذي طالما ذكرته في مقالاتي الصحافية وذكره غيري من الصحافيين والصحافيات. فهل أصبح هؤلاء القضاء الذين حكموا بهذه الأحكام الظالمة منزهين وصالحين... أية نزاهة يدافع عنها المجلس الأعلى للقضاء؟
لماذا إذا طالبت لجنة دراسة قانون الأحوال الشخصية منذ العام 83 بإصدار هذا القانون الذي يوضح حقوق أفراد الأسرة الشرعية ويرفع الظلم عن المرأة وأطفالها بسبب تدني ثقافة معظم الزوجات البحرينيات وأزواجهم بحقوقهم الشرعية التي لا يطبقها معظم القضاة في المحاكم الشرعية ونتج عن ذلك مئات القضايا المأسوية التي يظهر فيها ظلم هؤلاء القضاة للزوجات وأطفالهن الصادر إما عن انحياز للزوج وتأديب للمرأة لأنها احتجت على زوجها أو جهل بتعاليم الدين الإسلامي فيما يتعلق بحقوق أفراد الأسرة أي ما يسمى التشريعات الدينية الأسرية... غير آبهين بما سيحاسبهم به الله سبحانه إذا ما انحرفوا في أحكامهم الشرعية عما هو مذكور في القرآن الكريم والسنة النبوية.
ولماذا يطالب اليوم المجلس الأعلى للمرأة وجمعية مناصرة المرأة بتعديل القضاء الشرعي وإصدار قانون للأحوال الشخصية... إذا كان القضاء الشرعي صالحا... ألم يقل بعض القضاة بعد أن كثرت الشكاوى بسبب أدائهم القضائي المنحاز إلى الزوج ضد المرأة حتى لو كانت على حق من الناحية الشرعية والصادر عن تدني ثقافة القاضي الدينية أو التكاسل عن الاطلاع على ملف القضية بعناية نظرا إلى كثرة القضايا المعروضة في محكمة واحدة صغرى وكبرى لكل من المذهبين. وكان الهدف من ذلك تأديب النساء اللواتي يتجرأن وطالبن بحقوقهن الشرعية. وفي قضايا ظالمة شهدتها بنفسي كان الحق الشرعي يناصر المرأة التي تطالب الطلاق بسبب الأذى فيحولون قضيتها إلى طلاق على أساس الخلع لتمنح زوجها أكثر من المهر الذي أعطاها إياه. وبينما يكن هن المظلومات ويستحقن الطلاق بسبب الأذى. وكانت قضاياهن تؤجل بالسنوات وتضيع الأبناء، خلال فترة المشاحنات والجلسات وتخلي الأب عن مسئولياته تجاههم، فتظل المرأة معلقة لا هي متزوجة ولا مطلقة... حتى توفر المال لتخلع نفسها من زوجها ظلما لأنها غالبية الأحيان تستحق الطلاق بسبب الأذى... فهل ترضي الله سبحانه هذه المعاملة المذلة للمرأة في ظل غياب قانون للأحوال الشخصية ينظم علاقات أفراد الأسرة بحسب التشريعات الإسلامية وأهدافها الإنسانية النبيلة؟
هل من المعقول أن يقف المجلس الأعلى للقضاء ضد هذا الشيخ الصادق الجريء الذي يريد العدالة في التعامل مع النساء والأطفال بالتعديل الجذري في سير القضايا الشرعية في المحاكم الشرعية بحسب الشريعة الإسلامية؟ ولماذا؟ هل لأنه قال الحقيقة التي تمليها عليه مهنته القضائية الشرعية؟ وهل يحتاج المجلس الأعلى إلى أكثر من 4 أشهر إذا أزلنا العطلة القضائية لكي يوافق على مقترحات هذا العالم الديني النزيه الحاسم الذي جاء ليؤدي مهمة نبيلة لا أن يتمتع بمزايا وظيفية من مركز وجاه وراتب عال؟ وبدل أن يجد الاحترام والتقدير والتعاون لتعديل مجرى القضاء الشرعي المنحرف عن الأهداف الدينية الإسلامية... وجد التهديد، ففضل تقديم استقالته والرجوع إلى بيته بدل المشاركة في مجلس هزيل لا ينوي حقا تعديل القضاء البحريني الشرعي. والدليل على ذلك مئات القضايا التي شهدتها محاكم البحرين طوال عشرات السنين من الظلم والذل للمرأة البحرينية وأطفالها نصرة للرجل... حتى بلغ به الظلم أن أصبح لا يخشى على نفسه من إهماله الإنفاق على ابنائه أو ضربه زوجته أو تعليقه لها لمدة سنوات انتقاما لها لأنها طلبت الطلاق وهو يخونها مع عشرات النساء الساقطات.
هذا هو الوضع المذل المزري الذي تعاني منه المرأة البحرينية في محاكم البحرين الشرعية بسبب ضعف ثقافتها الدينية أو بسبب ظلم القضاة الشرعيين لها الذين لم يأبهوا بحديث الرسول "ص" "قاضيان في النار وقاض في الجنة" الدال على خطورة عمل القاضي وضرورة وجود النزاهة والعدل في احكامه... ونتيجة هذه الممارسات الظالمة تشويه تعاليم ديننا العظيم والضحية في هذه القضايا غير العادلة هي المرأة والأطفال ونفسيتهم المتألمة الناتجة عن شقائهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية كزوجات وأبناء لهؤلاء الرجال الذين ابتعدوا عن دينهم وغاصوا في ذنوبهم حتى عمت ضمائرهم.
إن المرأة البحرينية بذلت وأعطت وساهمت في تقدم مملكة البحرين منذ عشرات السنين وربت الأجيال التي ساهمت في تقدم الدولة وعلى رغم ذلك لا يوجد حتى اليوم قانون يحمي حقوقها الدينية لا هي ولا أطفالها. فماذا ينتظر المجلس الأعلى لكي يبدأ في اصلاح الهيكل التنظيمي الذي أراده هذا الشيخ الفاضل وزميله الشيخ علي العريبي الذي لا يقل نزاهة عن هذا الشيخ عندما شعر باليأس هو الآخر بسبب ضميره الديني الصادق... من جدية هذا المجلس في تعديل القوانين التي تتحكم في سير القضايا في محاكم الأحوال الشخصية الشيعية والسنية فقدم استقالته وقبلت هو الآخر.
إننا بأمس الحاجة إلى إعادة تنظيم الهيكل الوظيفي في محاكمنا الشرعية السنية والشيعية لكي نقضي على ظلم المرأة وأطفالها. وإذا كان في نية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القيام بذلك، فلماذا عندما قدم الشيخ عبدالحسين العريبي احتجاجا على تباطئه وعرقلة تصحيح الأوضاع في المحاكم الشرعية وقدم استقالته قبلها رئيس المجلس الأعلى؟ لماذا لم يناقشه فيما يهدف إليه ويساعده في تطبيق الإصلاحات التي يريدها للقضاء بشأن عدم الالتزام بالقوانين الشرعية في الأحكام القضائية بالنسبة إلى المحاكم الشرعية.
وهكذا فضل الشيخ الفاضل الانسحاب بكرامة ونزاهة غير آبه بالمركز والراتب الكبير والوجاهة في سبيل نزاهته القضائية. هل مثل ذلك القاضي يحاكم ويعاقب أم يكافأ؟ لقد انقلبت الأمور في زماننا فأصبح المرتشون والفاسدون يثرون ولا يعاقبون والنزهاء المطبقون لما تمليه ضمائرهم الدينية لصالح الناس يحاكمون ويعاقبون. أي منطق ذلك يحدث في زمن الديمقراطية والإصلاح الذي نعيش أيامه ونريد أن نرى معالمه تطبق في قوانينا وواقع المجتمع؟
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 934 - الأحد 27 مارس 2005م الموافق 16 صفر 1426هـ