المثقف يجب أن يكتب للحقيقة، ويجب أن يدافع عنها ويقاتل في سبيلها بأسنانه وأظافره. .. وعندما يكتب يجب ألا يحاول استرضاء أحد، فالفكرة تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ليست بحاجة إلى شهادات تأمين للسلامة أو أن تلبس واقية مصفحة ضد الصدمات. صحيح أننا نعيش في مجتمع شرقي مطحون بتناقضاته وعقده، ولكن المثقف الحقيقي هو من يبحث عن الحقيقة وإن كلفه ذلك المشي على صفيح من الجمر.
المشكلة أننا نعاني من "ميليشيات" ثقافية وصحافية تمارس دور المخابرات في تصفيتها لخصومها... ومظفر كان يقول عن العالم العربي ويمسح عيونه بخرقة فرن بالية كثوبه المرقع: "سيدتي، كيف يكون الإنسان شريفا وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان... والقادم أخطر".
في البحرين حدثت مصالحة بين جهاز الأمن والمجتمع، ولأول مرة بعد فترة الانفتاح التي تمر على تاريخ البحرين يمشي المواطن أمام شرطي من دون أن يشعر بالخوف، بل يساعدان بعضهما للحفاظ على الأمن. كل ذلك شيء جميل، ولكن على رغم ذلك مازلنا نبحث عن حياة جميلة للمواطن... البعض يتوهم أننا نبحث عن مواطنين معجونين بالحلاوة والبسكويت، وهذا كلام ممجوج لم نقله ولا ندعيه... نحن نطالب بعدالة اجتماعية، كثير من الضائعين في محطات الغربة والبطالة إذا ما حصلوا على وظيفة يستقرون نفسيا... حتى أفكارهم تبدأ في الهدوء... حتى تفكيرهم يقترب أكثر نحو الاستقرار... وهذه قصة أي مواطن مع الخبز، وقد جربتها السلطة واختبرت هؤلاء الشباب... من إضاءات الانفتاح في البحرين أنه سمح للعاطلين بأن يعملوا رجال أمن لحفظ مدارس البحرين، وفعلا نجح في ذلك. ومرت 4 سنوات ولم نسمع شكوى واحدة... أزمة، مشكلة... إلخ.
خطة اعتمدتها الداخلية استبدلت فيها بعض الأجانب من الحراس، ووضعت مكانهم بحرينيين... ماذا حدث؟ على العكس وجدنا أن بعضهم أأمن من الأجنبي... دعونا نحسب كم وزارة عندنا وكم مؤسسة تحتاج إلى رجل أمن. فإذا كانت كل مؤسسة تحتاج إلى 4 حراس، فبضرب عدد المؤسسات بعدد ما تحتاجه من رجال أمن ستكون النتيجة كبيرة. السؤال هو: كم عائلة بحرينية ستعتاش على هذه الوظائف وخصوصا أننا جربناها ووجدنا فائدتها؟ وقس على ذلك الوظائف العادية... اننا عندما نفتح بيوتا آمنة ونشجع على ذلك نغلق بذلك سجونا ومعتقلات، وهذه هي التنمية... إذا علينا أن نقلم أظافر الأخطاء، ونزيل بهذه السياسة أسنان كل التماسيح الصحافية وكل القروش الثقافية التي تعمل على اختلاق الأزمات، وتشي بأن المواطن البحريني ليس كفئا وليس بمستوى التحدي... كم كان جميلا "بيليه" البحرين وهو يسجل هدفين ذهبيين للوطن! دائما ما أقول: البحرين ولادة في جميع الحقول.
سياسة الشيخ فواز في الرياضة - عندما زرع المواطن البحريني بعيدا عن الانتماء في المؤسسة للشباب والرياضة - أحرجت كل المتشبثين بالعقلية الماضوية النمطية القروسطية في الماضي والحاضر... دعونا نبحث عن مكامن الخير في كل مواطن، ونذيب ترسبات الماضي بآليات عملية... مكياج الصحافة أعمى قلوبنا 30 عاما، ولا نريده أن يعمينا السنين المقبلة. يجب أن نشجع الأصوات المعتدلة بدلا من قذف الجميع بالحجارة، وللأسف فإن الصحافة وبعض المسئولين الذين عشعشوا كالأعشاب في مفاصل المؤسسات ما فتئوا يزرعون أعواد المشانق للبحرينيين... الوطنية ليست لقلقة لسان وكلمات فارغة شخصانية يتجشأ بها الخطباء على المنابر! الوطنية هي الشراكة، الوطنية هي المساواة، الوطنية هي عدم الإخلال بالأمن، الوطنية هي العيش المشترك، الوطنية هي حفظ المال العام، الوطنية هي توزيع ربطات الخبز على الجميع، فهناك من يتجشأ حتى التخمة شبعا وهناك العكس.
الوطنية أن أنصف عقول الناس في تحليلي للقضايا في الصحافة والإعلام، وما أجمل قول غازي القصيبي في أحد كتبه "فلسفة الحضارة السائدة في الإعلام يلخصها مبدأ "عض الكلب للإنسان ليس خبرا، عض الإنسان للكلب هو الخبر"، ولهذا تورد نشرات الأخبار أنباء سقوط المستشفيات لا أنباء افتتاحها، وأنباء احتراق الفنادق لا أنباء إنشائها، وأنباء الموت لا أنباء الولادة. نشرة الأخبار أصبحت - نتيجة فلسفة الإثارة هذه - أقرب الطرق إلى الانهيار العصبي، الاكتئاب النفسي في أفضل الأحوال".
الإنسان الكبير هو من يركز على إيجابيات أي آخر قبل أن ينفعل بسلبياته، المواطن يتمنى يوما يستيقظ فيه صباحا ولا يرى لحمه بين أسنان الصحافة أو بين أنياب القروش الثقافية التي عاشت سنين على الوقيعة بين السلطة والمجتمع
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 933 - السبت 26 مارس 2005م الموافق 15 صفر 1426هـ