آخر ما أتحفتنا به الولايات المتحدة الأميركية صلاة الجماعة بإمامة العالمة الفاضلة أمينة ودود، أستاذة "الدراسات الإسلامية" في جامعة "فرجينيا كومونولث"، في صالة "سوندرارام تاغور" بمدينة نيويورك، لتدخل من خلالها التاريخ كأول امرأة تؤم وتخطب بالمصلين رجالا ونساء في صلاة يوم الجمعة 18 مارس/ آذار.
وتطالب "الإمامة" ودود بحق المسلمات في المساواة مع الرجال في التكاليف الدينية كحق المرأة في الإمامة، وعدم ضرورة أن يصلي النساء في صفوف خلفية وراء الرجال باعتبار أن هذا الأمر هو ناتج عن "عادات وتقاليد بالية"!
"الإمامة" الليبرالية قرأت بلاشك بعض الكتب والمصادر الإسلامية فتصورت نفسها شيخ الأزهر، يجوز لها أن تفتي بما تشاء! وهذا العمل الصبياني ترعاه وتدعمه جماعات "إسلامية" أميركية تدعو إلى "حرية المرأة المسلمة" وتقوم بتنظيم مسيرات وفعاليات عدة "لـتعزيز مكانة المرأة والمطالبة بحقوقها"!
هل يمكن لأحد أن يقنع مثل هذه العقول بأن الدين ليس علما للآثار، وأن العبادات "توقيفية" وليست اجتهادية، وأن الصلاة والصوم ليست من الموضوعات المطروحة للأخذ والرد بين طلاب وطالبات الجامعات وغير الجامعات؟ وأن للإنسان حجمه الذي لا ينبغي أن يتخطاه؟ وهل يمكن أن تتصور هذه المرأة المسكينة أن موقفها يمكن أن يكون خاطئا؟ وهل يسمح لها الغرور أن تصدق أنها يمكن أن تخطئ وأن ملايين المسلمين ليسوا على ضلال؟
هناك من خلقه الله وعقله غير مبرمج فعلا على الفهم أو مراجعة النفس والأفكار، يصر على الوقوع في المطب الواحد عشرين مرة، بل ثلاثين مرة، مادام يرضي غروره ويتماشى مع أهوائه ويصدق نفسه بأنه إنسان مفكر "من حق وحقيق".
هذه الفصيلة لا تقتنع، فعقولها غير مبرمجة على الاستماع والأخذ والرد، لم تعرف في حياتها شيئا اسمه شواهد أو براهين. وهذه هي البداية... أولها إمامة جمعة وجماعة، وآخرها مفسرة للقرآن الكريم.
لا تستغربوا، واللعبة ليست بعيدة عن دياركم! فالفصيلة نفسها موجودة بين ظهرانيكم، فلو أحضرت لهم ألف شريط فيديو، ومليون اسم ضحية من ضحايا المقابر الجماعية في عهد صدام حسين، هل تراهم سيصدقون؟ نقول: لكل قناعاته، ولكن ما لن نقبله أن إنسانا "أو إنسانة" لم يقرأ طوال حياته صفحة من القرآن الكريم، يصعد لنا المنبر اليوم مرتديا عباءة الواعظ "القومي" الرشيد! وهذا الشعب الذي يقضي ساعات من أيامه وزلفا من لياليه في المساجد والمآتم، ليس بحاجة إلى مقال يفهمه أن "لا عصمة للبشر عن الخطأ"! اكتشاف خطير... أم نظرية جديدة؟
وإذا كانت "السلة الليبرالية" تفيض هذه الأيام بالنصائح والإلهامات، فليوجهها أصحابها إلى أنفسهم أولا، وليطبقوا نظريتهم الجديدة على الأب القائد الملهم المظفر المعصوم، وليبدأوا نقدهم لأخطائه وخطاياه، وجرائره وجرائمه، أم أن هذه "النظرية" لا تنطبق على الرئيس الضرورة "المعصوم"؟
أول المطبات التي وقعوا فيها استخدامهم تعبير "النصوص القرآنية"، يظنون القرآن مثل الشعر الأموي والعباسي، ونحن لا نعترف بأنها "نصوص" بل "آيات بينات"، ولا غرابة في هذه السقطة لأنهم حديثو عهد بـ "تصفح" القرآن الكريم!
حيدوا القرآن ولا تستخدموه في مناكفاتكم وصغائركم السياسية الداخلية. اتركوا القرآن جانبا رحمة بأعصابنا، فنحن لا نتحمل أحدا يستغل الآيات في مرافعات ومجادلات صبيانية للدفاع عن الطغاة والمستبدين!
ثم كيف تنقلب "مفكرة" ليبرالية في غمضة عين إلى "مفسرة" للقرآن الكريم؟ علم التفسير الذي يقضي فيه طلاب الأزهر والزيتونة والنجف وقم ثلاثين عاما حتى يتجرأوا على الحديث، أصبحتم فيه أساتذة في ظرف يوم وليلة!
رحم الله من عرف قدر نفسه، فلزم حده ولم يتجاوز حجمه، فيتصور نفسه بلغ المشيخة في "عموده" ولم يبق إلا العمامة وقفطان الشيوخ! عشنا صفرا ورأينا عجبا، وما أكثر العجب في هذا العصر "الليبرالي" السخيف، يبدأ بصلاة في نيويورك، وينتهي بتفسير "ليبرالي" في البحرين، كل ذلك لإقناعنا أن صدام مازال الرئيس العراقي "الشرعي" والوحيد!
حلقة التفسير "الليبرالية" بدأت بسورتي "الكهف" و"عبس"، وكلنا شوق لسماع تفسير سورة "اللهب"، التي رسمت صورة أبي لهب "وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد"! حمالة الحطب دنيا وآخرة... ومن هذا الحطب يصنع الليبراليون المزيفون أصنام الطغاة
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 933 - السبت 26 مارس 2005م الموافق 15 صفر 1426هـ