سبق أن طرحنا بعض الأسئلة المهمة عن التناقضات المفهومية والسلوكية في بلدنا الحبيب وأهمها توزيع الدوائر الانتخابية، في الوقت الذي يدافع فيه الجميع عن مبدأ المساواة بين المواطنين. وعرضنا بعض آراء كبار القانونيين في فرنسا ومصر وبريطانيا عن دستورية الأخذ بنظام الكوتا وإدماجها عبر القوانين في التشريع الوطني، وفي هذا المقال نستعرض آراء بعض مجالس المرأة الرسمية في عدد من البلدان العربية، ونطرح أسئلة أخرى.
عند تفحصنا لواقع الترقيات الرسمية التي أشركت فيها المرأة البحرينية في مواقع صنع القرار والتمثيل السياسي، نجد تعيينا حكوميا صريحا لأعداد محددة من النساء، هو كوتا حكومية بعينها، يسميها البعض بحصة النساء التنفيذيات، وهي إحدى أسهل أنواع الكوتا المجتمعية لأنها تطبق من دون موافقة الناس. وفي رأينا أن تلك الحصة النسائية الحكومية وان كانت ضئيلة مقارنة بحصة الرجال، فإنها تعكس وعيا متأخرا من الحكومة لضرورة تفعيل طاقات المرأة في تحقيق أهداف المشروع الإصلاحي المنشود، كما يرجح أن الحكومة ومن خلال هذه الحصة تنوي مسايرة الأوضاع في البلدان المتقدمة على قدر استطاعتها وحساباتها، إذ بدأت بتعيين النساء في مجلس الشورى وفي النيابة العامة، وحديثا وزيرة في مجلس الوزراء بقرار سياسي لا ينازعها عليه أحد. فإذا كانت الكوتا الحكومية معمولا بها من دون إثارة أي جدل حول الآليات أو حول المنتفعات بل وبتحبيذ من الجانب الأهلي، فلماذا هذا الاتجاه المعاكس عندما يتعلق الأمر بالمرشحات الأهليات أو الشعبيات إن صح التعبير، ولم هذا الانفاذ لـ "سيداو" على المستوى الحكومي والممانعة على المستوى الأهلي؟ أو ليست البيئة الثقافية والاجتماعية التي تعيش فيها المرأة البحرينية بيئة واحدة غير منفصمة، فلماذا إذا غض النظر والاحتفال هناك وتبرير الحيف والوقف هنا.
رأي المجلس الأعلى غير ملزم
إن آراء وتحليلات المهتمات بوضع المرأة البحرينية، سواء على الصعيد الأهلي أو الرسمي تقر بوجود ذهنيات وممارسات تمييزية متأصلة ضد المرأة البحرينية في ميادين متعددة منها مواقع اتخاذ القرار وممارسة العمل السياسي، ولذلك فقد أدهشنا ما ذهب إليه رأي المجلس الأعلى للمرأة في عدم دستورية الكوتا، ودعوة المرأة البحرينية للانتظار والمحاولة والتجريب. إن المجالس العليا الرسمية للمرأة في غالبية البلدان العربية لا تعارض مبدأ الكوتا بل ويتضامن بعضها مع الجانب الأهلي يدا بيد في صوغ التدابير لانفاذ اتفاق "سيداو" الصادر من الأمم المتحدة وفق تقييم لجانها المتخصصة المبني على الدراسات الموضوعية والإحصاءات لأوضاع المرأة في بلدها.
إن موقفا كهذا، من وجهة نظري، يبدو غير متوافق وواقع المرأة البحرينية، وبعيد عن معاناتها الاجتماعية اليومية، هذه المعاناة التي وبمفارقة بالغة، اهتدى لفهمها عدد من المدافعين "الرجال" في مجتمعنا، بوعي أصيل وقراءات سوسيولوجية شفافة مدركة. ويبقى أن نقول إن المجلس الأعلى جهة استشارية رسمية تتبع جلالة الملك، تمتلك سلطات تنفيذية للتعاقد مع الوزارات والجهات الرسمية، وتعمل بطريقتها الخاصة لتحسين أوضاع المرأة، إلا انه وكما يمتلك المجلس مطلق الحرية في إبداء الرأي في أية مسألة نسائية، فان للمرأة البحرينية أيضا حق الاختلاف وحق التعبير عن رأيها المختلف بصورة فردية أو عبر مؤسساتها النسائية وعلى رأسها الاتحاد النسائي تحت التأسيس، ساعية في ذلك إلى إدراج مبادىء اتفاق "سيداو" في النظم القانونية الوطنية لصالح المرأة والمشاركة المجتمعية.
تجارب لبنان والأردن الايجابية
تتسق آراء الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشئون المرأة، الجهة الرسمية المعنية بشئون المرأة، أمل الصباغ وآراء الناشطات في العمل الأهلي في دعم المشاركة السياسية للمرأة الأردنية. فبعد نتائج انتخابات 1997م التي لم تفز فيها أية امرأة، وانطلاقا من تحليل المعوقات أمام المرأة الأردنية في المشاركة السياسية، ركزت اللجنة الوطنية الأردنية عملها مع المنظمات النسائية غير الحكومية للدعوة إلى تخصيص مقاعد نيابية للمرأة، كما وتفرد الاستراتيجية الوطنية للمرأة التي تم اعتمادها العام ،1993 محورا كاملا للمشاركة السياسية، يشكل منهاج عمل دؤوب للجنة القانونية المنبثقة عن اللجنة الوطنية بهدف تحليل التشريعات واقتراح التعديلات عليها، ولفتح المجال أمام المرأة للمشاركة في مختلف جوانب الحياة العامة والعملية.
وكانت اللجنة الوطنية الأردنية لشئون المرأة في العام 2002م بالشراكة مع اللجنة التنسيقية للمنظمات غير الحكومية قد تبنت توصية في المؤتمر الوطني لدعم المرأة في الانتخابات النيابية، على المستوى التشريعي، بتعديل قانون الانتخاب المؤقت رقم 34 لسنة 2001م لينص على مبدأ الكوتا النسائية، وأن يتم الانتخاب على أساس القوائم وليس الصوت الواحد قناعة من الجانبين الرسمي والأهلي بمساهمة قانون الانتخاب المؤقت السابق في تقليص فرص وصول النساء إلى مجلس النواب.
أما التقرير اللبناني الرسمي الأول حول سيداو والصادر العام 2000م ، فيقر بالتمييز ضد المرأة في الحياة السياسية، خصوصا في ظل تكريس القوانين والتقاليد لنظام المحاصصة الطائفية في التمثيل السياسي. ويذكر التقرير "غياب التدابير التشريعية لضمان مشاركة المرأة في الحياة العامة "كوتا أو حصص معينة في المجالس وفي الحكومات كخطة مرحلية"، كأحد العوائق من بين ثمانية عوائق تحول دون مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
تجربة الانتخابات اللبنانية في الأعوام الثمانية الماضية أثبتت التكاتف الموضوعي لعوامل متعددة في لجم قدرة المرأة على المشاركة المستقلة اقتراعا وترشيحا، وبحسب المراقبين فان الطبقة السياسية التي نشأت بعد الحرب تستثني في ذاتها المرأة، ومعظمهم إما أمراء حرب أو أصحاب رؤوس مال أو تابعون لأجهزة أمنية سورية ولبنانية، أو محاصصات طائفية وعائلية، وثمة تفضيل لترشح الرجال خوفا من فشل النساء. وإضافة إلى الواقع السياسي والاقتصادي المركب الذي يتشابك فيه السياسي مع العائلي والمالي والطائفي، تظهر عوائق اجتماعية: الثقافة الذكورية التي يتسم بها المجتمع اللبناني والعربي عموما وترجمتها العملية في تقسيم الأدوار التقليدية، واستبعاد المرأة عن تمثيل العائلة.
ويبدو أن السلطة اللبنانية اقتنعت بالتحليل السابق، إذ اقترحت الحكومة اللبنانية قبل أيام قليلة مشروع قانون لإدراج الكوتا ضمن مقترحين، يعتمدان مبدأ "كوتا الحد الأدنى"، وتنشغل الأوساط النسائية والسياسية هذه الأيام بشكل جدي بالاقتراحين. الاقتراح الأول، كما يشرح رئيس لجنة صوغ قانون الانتخاب كمال فغالي: "تحديد كوتا بنسبة 30 في المئة تقضي بزيادة عدد النواب إلى ،182 فيصبح الحد الأدنى للمقاعد المخصصة للنساء 54 مقعدا، وباعتماد الصيغة المركبة: النسبية في المحافظة للمقاعد المخصصة للنساء والأكثرية البسيطة في دوائر متعددة المقعد للمقاعد الحالية. وهذا الاقتراح يستلزم تعديل الدستور لزيادة عدد مقاعد مجلس النواب".
والاقتراح الثاني يقضي بـ "تطبيق الـ 30 في المئة على مراحل تبدأ بتحديد كوتا بنسبة 10 في المئة لأول دورة انتخابية، أي تخصيص 14 مقعدا للنساء فقط من ضمن أعضاء المجلس الحاليين ومن دون زيادة عدد أعضاء المجلس، موزعة على مقاعد مرفقة بالمشروع. أي أن يصار إلى تطبيق الكوتا على مراحل انتخابية".
مواقف الاتحادات البرلمانية
البرلمان البحريني عضو في كل من الاتحاد البرلماني العربي والاتحاد البرلماني الدولي، وكلاهما يؤيدان الإصلاح التشريعي لضمان تجسيد المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ويدعوان إلى إدراج اتفاق "سيداو" في القوانين الوطنية بالوسائل المتاحة، سواء أكان ذلك عبر الإدراج التلقائي أو بعد سن التشريعات المناسبة حتى تصبح نافذة وطنيا.
ففي دليل البرلمانيين، الذي أصدره الاتحاد البرلماني الدولي العام 2003م، بشأن تفعيل دور النائب في انفاذ اتفاق سيداو وبروتوكوله الاختياري لمواجهة التمييز ضد المرأة، يورد الاتحاد أمثلة لتجارب تم فيها تنقيح الدستور لجواز التمييز الايجابي، مثل البرازيل في العام ،1988 وجنوب إفريقيا في العام 1994 بجهود التحالف الوطني النسائي، ويذكر أيضا تدابير العمل الايجابي الوطني للمشاركة السياسية للمرأة في كل من المغرب وجيبوتي في العام ،2002 والنيجر في العام ،2001 وفرنسا في العام .1999 وفي مكان آخر يوضح الدليل كيف استندت المحكمة الدستورية أو المحكمة العليا في كل من جنوب إفريقيا، وبوتسوانا والنيبال وغواتيمالا وكندا إلى اتفاق سيداو لمناصرة النساء ضد العنف أو الاعتداء الجنسي أو القضايا الجنسية أو حق البنت في الإرث وغيرها.
أما الاتحاد البرلماني العربي، فقد انتهى لتوه، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من ندوة "تفعيل دور البرلمانيات العربيات"،التي عقدت يومي 1 و2 فبراير/ شباط 2005 في بيروت، وشاركت فيها من البحرين عضوة مجلس الشورى فوزية سعيد الصالح. وفي ختام الندوة صدق المشاركون والمشاركات على ست عشرة توصية أهمها "العمل على إزالة كل أشكال عدم المساواة وعدم الإنصاف الناتجة عن تراكمات ثقافية وتاريخية سلبية، ووضع آليات دستورية وقانونية لضمان المشاركة الفعلية في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية"، وكذلك التوصية بـ "وضع جميع الآليات الممكنة، الدستورية منها والقانونية، لضمان تمثيل عادل للمرأة في المجالس التشريعية العربية، وذلك بالاعتماد مرحليا على التمييز الإيجابي لفائدة المرأة العربية، بتخصيص كوتا للمرأة في المرحلة الراهنة حتى تتمكن من الحصول على الشراكة الكاملة التي تلغي كل تمييز ضدها".
إذا كانت هذه مواقف المنظمات الإقليمية والدولية التي ينتسب إليها البرلمان البحريني، فماذا يجب أن يكون موقف النواب الأفاضل من دعم المشاركة السياسية للمرأة في البحرين؟ وقبل أن يهموا بالإجابة المتسرعة أدعوهم إلى قراءة وتأمل مواقف تلك المنظمات الأم التي ينتسبون إليها.
الجمع بين التمكين والتدابير الايجابية
ومن خلال اطلاعنا على تطبيق نظم الكوتا في التجارب الحزبية والوطنية العامة، وصلنا لقناعة راسخة بأن أنظمة الكوتا المطبقة بمعزل عن برامج التمكين السياسي والتأهيل الجدي للنساء، ديكور شكلي لا فائدة منه، وهي أنظمة قد تفسح مظهريا المجال لخروج المرأة للأضواء ولكنها قد توقعها تحت تأثير واستقطاب قوى أخرى من دون وعي، ولعل التجربة البنغلاديشية هي الأبرز في هذا المجال، إذ وجدت نساء الأحزاب أنفسهن في مقايضات لتحقيق مصالح القيادات الأبوية المتنفذة. لذلك علينا الانتباه إلى أهمية التمكين كمنهجية استراتيجية مستدامة والى العمل المبكر لخلق كوادر نسائية مثقفة سياسيا، تمتلك كل أو معظم مهارات العمل السياسي باقتدار.
إلا وانه وفي الوقت نفسه نؤكد أهمية التمكين، ونشير إلى النتائج التي توصل إليها الباحثون في تجارب الدول المطبقة للكوتا، والمبينة لحقيقة أن أفضل النتائج أتت من دمج المسارين معا: مسار التمكين ومسار التدابير الايجابية المؤقتة، إذ يطلق على مسار التمكين المنفرد بالمسار التراكمي ويتميز ببطئه واستغراقه سنين، تصل إلى الستين والسبعين كما حدث في الدول الاسكندنافية، أما المسار المتسارع عن طريق التمكين والكوتا معا، فيأخذ في المتوسط ثلاثة انتخابات حتى يثبت ويؤتي ثماره.
انتخبوا الكفؤات ولا تجاملوا
وأخيرا تشير بعض الآراء بحق إلى أن تطبيق الكوتا في أي بلد قد يؤدي إلى انتخاب بعض النسوة غير الكفؤات، ولكن عزاءنا أن هؤلاء حتما سيشكلن عينة جزئية ولن يشكلوا المجموعة بأكملها، وأنه مع التجربة سيصبح الناخب والناخبة أكثر خبرة فيصوتان لهذه المرشحة لأنها تستحق، ولا يصوتان لتلك لأنها غير جديرة أو لأنها لا تمتلك البرنامج الانتخابي المتوافق مع قناعاتهما. ولو أردنا الإنصاف قليلا فلنتذكر ما حدث ويحدث في انتخابات الرجال، فهل هم جميعا أكفاء؟ أفلا يستفيد عدد كبير منهم من شبكات الدعم واللوبيات الانتخابية والشخصيات المفتاحية والتزكيات القاطعة من دون جهد جهيد؟ فلماذا نشدد على المرأة دائما ونشهر السيوف في وجهها عندما تقترب من مواقع صنع القرار ونواجهها بالعقاب الجماعي، ونتقبل فوز الرجال بكل وداعة ومن دون أسئلة؟
إننا جميعا هيئات نسائية وسياسية ومجتمعية عامة ورسمية سنمارس أدوارنا الايجابية عندما نؤهل ونشجع ونرشح وننتخب النساء المقتدرات فعلا لا مجاملة لعين فلان أو إرضاء لذات "علتان"، عنذئذ نعتقد بأن الكوتا ستأتي أكلها وستحقق هدفها المؤقت في كسر الجدار العازل الذي فرض على المشاركة النسائية السياسية، ويبقى بعدها على المرشح، رجلا كان أو امرأة، العمل الذاتي والجماعي للحصول على دعم الحلفاء الحقيقيين بجد واجتهاد مستدامين، من خلال تبني مواقف وهموم الشعب، مصدر السلطات جميعا
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 933 - السبت 26 مارس 2005م الموافق 15 صفر 1426هـ