بعد أن كانت القضية الفلسطينية هي الهم الشاغل لكل مواطن عربي، إذ ظلت لعقود كثيرة عصية تجاه كل رياح الضغوط من أجل التنازلات، وكان الشعار المرفوع دائما هو لاءات الخرطوم الثلاث: لا اعتراف، لا مفاوضات ولا صلح مع "إسرائيل"، أصبحت القضية اليوم محصورة على الفلسطينيين فقط.
ومنذ أن وقع اتفاق كامب ديفيد الأول العام 1979 أصبح الوهن يدب في جسد الأمة وأصبحت القمم العربية حبرا على ورق، ما حدا بالفلسطينيين للقبول باتفاق أوسلو العام 1993 الذي أقر تكوين السلطة الفلسطينية وسط معارضة على نحو واسع. وعندما شعر الإسرائيليون بضعف الموقف العربي أخذوا يمارسون سياسة الأمر الواقع والتملص من الاتفاقات الموقعة، ما أحدث حالا من اليأس لدى المواطنين الفلسطينيين الذين هبوا في انتفاضتين عظيمتين أماتتا عملية السلام تماما في ظل رؤساء إسرائيليين لا يعرفون سوى الاغتيالات.
ومع توالي عقد مؤتمرات شرم الشيخ الساعية دائما إلى إحياء العملية السلمية بجانب التلميح سرا بالتطبيع أصبح العرب يقدمون التنازلات تلو الأخرى من دون مقابل بدءا بمبادرة السلام العربية في قمة بيروت ،2002 إلى قمة الجزائر الأخيرة التي نصت من دون جدوى على التطبيع مقابل العودة إلى حدود .1967 فماذا كان رد "إسرائيل" لكل هذه المكرمات العربية؟ كان عبارة عن تصريح مقتضب لأحد المسئولين الإسرائيليين بأن "إسرائيل" لا تقبل قرارات القمة، مهاجما الجامعة العربية بأنها عصفور يغرد خارج سربه.
إذا، الحديث عن التطبيع مرده إلى ضغوط غربية على عواصم أصلا مطبعة مع "إسرائيل" وتسعى هي بدورها إلى تسويقه للآخرين. وإلا فلماذا تذكر إقامة علاقات طبيعية مجانا مع الدولة العبرية وهي لا ترغب فيها بل تنتظر قمة أخرى تصدر إعلانا آخر بأن العرب يريدون تطبيعا مقابل ثلاث لاءات سهلة تتمثل فقط في لا للاجتياح ولا لملاحقة المطلوبين ولا للحواجز أمام المدن الفلسطينية ومن دون العودة إلى حدود 1967 أو عودة اللاجئين أو السيادة على القدس الشريف أو الجولان السوري
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 933 - السبت 26 مارس 2005م الموافق 15 صفر 1426هـ