رفضت الولايات المتحدة "إعلان الجزائر"، كذلك فعلت "إسرائيل". فأميركا ترى أن الدول العربية فوتت على نفسها فرصة تاريخية "لم تحدد تلك الفرصة". والدولة العبرية اتهمت الأمين العام لجامعة الدول العربية والجزائر وسورية مسئولية تفويت تلك الفرصة وهي رفض الأخذ بالاقتراحات الأردنية لتعديل مبادرة السلام العربية التي اطلقتها قمة بيروت.
الثنائي الأميركي - الإسرائيلي اعتبر أن نتائج القمة مخيبة للآمال. وأساس الخيبة أن الدول العربية لا تتعلم من حاضرها ولا تستفيد من "دروس التاريخ". وبرأي الثنائي أن جامعة الدول العربية ثابتة على مواقفها ولاتزال تكرر تلك الحقوق التي تنص على عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه بناء على قرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام .1948 وانها أيضا تتمسك بالأراضي المحتلة في العام 1967 وتصر على تطبيق القرار الدولي 242 وكذلك القرار 338 الذي صدر مؤكدا ضرورة تطبيق ما سبقه بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول .1973
الثنائي يعتبر أن الحقوق "لغة خشبية" والقرارات الدولية التي تعطي للعرب حقوقهم مجرد كلام للاستهلاك وليس للتطبيق. ولذلك رأى الثنائي في "إعلان الجزائر" مجرد تكرار لفقرات سبق ذكرها في بيانات ختامية ولم تنفذ حتى الآن.
رفض "إعلان الجزائر" لم يقتصر على الثنائي وانما أيضا رفضته منظمات وجمعيات وحركات فلسطينية وعربية ووصفته بالعبارات نفسها تقريبا "مخيب للآمال مثلا" ووجدت فيه تنازلات وتراجعات مجانية عن ثوابت تاريخية وقومية.
هناك إذا لغة مشتركة تنطلق من موقعين متعارضين. الجانب الأول "الأميركي - الإسرائيلي" يجد في "إعلان الجزائر" جوانب متطرفة لا تستجيب للمتغيرات وواقع الحال ومتطلبات المرحلة. والجانب الثاني "الهيئات الأهلية والمنظمات المدنية والسياسية" ترى في "الإعلان" سياسة تراجعيه تستجيب في حدودها الدنيا للضغوط الأميركية وتوابعها.
هذا التعارض في لغة الاعتراض على "إعلان الجزائر" يمكن فهمه من ذاك الكلام الذي قاله عمرو موسى تعليقا على ما طمحت إليه بعض الدول العربية فذكر "أن إسرائيل لا تستحق السلام". فالسلام لا يعطى لطرف لا يستحقه ويعمل يوميا على تقويضه.
"إسرائيل لا تستحق السلام" تختصر الكثير من الكلام لشرح معاني ذاك التعارض في لغة الاعتراض. فالأمين العام يريد السلام وهذا صحيح إلا أن الطرف الآخر لا يرغب به. ولذلك ما الفائدة من "عقد قران" بالإكراه؟
المشكلة إذا مزدوجة "مركبة من طرفين". فالفريق الأول يريد الزواج والثاني يرفضه. وإذا رفض الأول فكرة القران طالب به الثاني. وهكذا الدائرة تدور في فراغ. ومصدر الفراغ ان "إسرائيل" تريد السلام بشروطها وتريد احتلال الأرض والاستمرار في طرد الفلسطينيين من ديارهم واستجلاب مستوطنين من كل حدب وصوب واسكانهم في أرضهم ومنازلهم. فهذا هو السلام الذي تريده "إسرائيل" وهو يقوم على فكرة طرد الآخر ومطاردة القرارات الدولية ومنع المطرود من حضور "الزفة".
إنها مسرحية اختلفت عناوينها. ومع ذلك طالت وامتدت وتواصلت فصولها على أكثر من نصف قرن. "إسرائيل" هي مصيبة المنطقة والبلاء الذي أصاب شعوبها ودولها وعطل إمكانات النمو والتقدم واعطى التبريرات الكافية للظلم والاستبداد وقتل الإنسان وحقوقه وحرياته.
"إسرائيل لا تستحق السلام". هذه الفقرة تختصر الكثير وتكثف المشكلة التي تعبر عن نفسها باتساع الهوة بين الرغبة والضعف. فالدول العربية تملك الرغبة ولكنها تعاني من ضعف يعطل عليها إمكان التقدم نحو نيل تلك الحاجة.
"إسرائيل لا تستحق السلام". فكرة تلخص ذاك التعارض في لغة الاعتراض التي ظهرت في الآن بين الثنائي "الأميركي - الإسرائيلي" الذي تعجب واستغرب مصدر الاستقواء الذي ورد في "إعلان الجزائر" وبين بيانات المنظمات والهيئات المدنية والسياسية التي استنكرت مصدر الاسترخاء الذي ظهر مجانا ومن دون مقابل في "إعلان الجزائر".
ردود الفعل المتعارضة هي في النهاية صحيحة. فعلا من أين جاءت هذه القوة "بحسب تعليقات الثنائي" وأيضا من أين جاء الضعف "بحسب حماس والجهاد مثلا"؟
إنه التعارض في لغة الاعتراض. وهذا التعارض على وجهيه يبرر إلى حد كبير وجاهة استمرار هذه المؤسسة التي اطلق عليها "جامعة الدول العربية". فهي جامعة لا تجمع ولكنها مؤسسة تمنع التفرق. وربما تكون هذه المهمة هي آخر ما تبقى من وظائف هيئة انتدبت نفسها لعقد منبر للخطابات سنويا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 932 - الجمعة 25 مارس 2005م الموافق 14 صفر 1426هـ