جاءت القمة السابعة عشرة للدول العربية في الجزائر لتعبر من نقلة نوعية في العمل العربي المشترك إذ قررت إنشاء برلمان عربي انتقالي وهيئة لمتابعة تنفيذ القرارات للقمة وتعديل قواعد اتخاذ القرارات ونظام التصويت وتمكين المجتمع المدني من المشاركة في نشاطات الجامعة العربية. ومؤسساتها والتصديق على وثيقة استراتيجية الأسرة العربية وإنشاء قمر اصطناعي لمراقبة كوكب الأرض من النواحي البيئية ورصد الكوارث ومواصلة عملية الإصلاح بشكل متدرج لمنظومة العمل العربي المشترك ومواصلة مسيرة التطوير والتحديث العربي وتعزيز الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية وترسخ قيم المواطنة والثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك مما جاء في البيان الختامي للقمة.
أما بخصوص فلسطين فقد كررت القمة مساندتها لها وتأكيدها لمبادرة السلام العربية وضرورة تفعيلها، كما دعت لضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1546 بشأن العراق بتمكينه من استعادة سيادته وانهاء الوجود العسكري الأجنبي، وكررت مواقفه نفسها بشأن جزر الإمارات ورحبت باتفاق السلام في جنوب السودان وهكذا. وأفردت كثير من الصحف القومية المصرية صفحاتها للاشادة بالقمة وإنجازاتها التاريخية وبرز ذلك ليس فقط في المتابعات الأخبارية بل في مقالات بعض الكتاب والصحافيين، وإن ابدى البعض تحفظات بشأن نتائج الاجتماعات. أما جماهير الشعوب العربية فظهر عليها حال من التشاؤم فلم تجد جديدا حقيقيا في اجتماعات القادة وذلك من منطلقين أولهما يرى أن هؤلاء القادة لا يعبرون عن شعوبهم وليس لهم صدقية وأنهم خاضعون لتوجيهات القوى المهيمنة على الساحة الدولية، وثانيهما يرى أن الاجتماعات العربية عادة يسودها الخلاف الحقيقي في الغرف المعلقة والوئام والصفاء أمام الكاميرات والعبارات المنمقة الجميلة في البيانات وأن قمة الجزائر لم تختلف عن القمم السابقة عليها في هذا الصدد، ومن ثم فهي بمثابة تحصيل حاصل. وعود بلا مضمون وطموحات بلا آليات.
والسؤال الذي نطرحه بعيدا عن الاطراء والثناء وعن القدح والهجاء هو ماذا كان يمكن أن تفعل القمة ولم تفعله؟
ولعل الاجابة على هذا السؤال بالغة الصعوبة ولكننا نقدم فقط مجموعة من المؤشرات التي قد تساعد في الوصول للاجابة.
المؤشر الأول: هو أن الإرادة العربية في قمة الجزائر لم تكن مكتملة فقد غاب ثلث القادة العرب، وحقيقة جميع الدول مشاركة على مستويات مختلفة ولكن القمة تعني المشاركة على مستواها أو على أكثر تقدير تعني غياب قائد وأثنين وليس ثلث القادة. ويزداد الأمر غموضا عندما نحلل وضع الدول التي غاب قادتها وهي دول ذات وزن وثقل في العمل العربي المشترك. فهي إما دول الثروة النفطية أو دول الجوار الإسرائيلي أي انها ليست دولا هامشية بل هي ركائز أساسية في العمل العربي المشترك وفي تحديد مصير الأمة العربية.
المؤشر الثاني: إن كثيرا من القرارات كانت بمثابة تحصيل حاصل فقرارات فلسطين أو العراق أو السودان إما تكرر قرارات سابقة أو ترحب أو تشيد أو تثمن أو تثني. أي أنها ليست قرارات فاعلة تعبر عن استراتيجية حركية مستقبلية بل هي قرارات تعبر عن رد الفعل أكثر مما تعبر عن الفعل الحقيقي.
المؤشر الثالث: إنه عندما أريد تفعيل مبادرة السلام العربية بمشروع قرار أردني ووجه بمعارضة شديدة على رغم أن صيغة القرار كنصوص ليس فيها ما يثير التساؤل أو المعارضة ولكن يبدو أن معلومات الدول العربية عن خلفية القرار ونوايا أصحابه هي التي دفعتهم للمعارضة. ومن ثم نتساءل إذا كان النص من حيث هو نص لا غبار عليه، فكيف نحاسب أصحابه على نوايا هم ولماذا دائما نفترض الريبة وللشكوك في بعضنا بعضا. وهكذا جرى صوغ المبادرة الأردنية لتكرر ما تضمنته مبادرة قمة بيروت وتردد وجود تلاسن بين بعض الوفود وتبادل للاتهامات بأن هذه المبادرة من وحي القوة العظمى المهيمنة وأن مبادرة بيروت كانت أيضا من المنطق نفسه أي قالت بعض الوفود لبعضها إننا جميعا سواء نهتم بموقف القوة العظمى فلماذا تغضبون منا أو نغضب منكم.
المؤشر الرابع: يتعلق بالمناقشات التي دارت حول كيفية تفعيل أو تسويق مبادرة السلام العربية بإنشاء لجنة ترويكا أي لجنة ثلاثية. والتقليد الدولي في مثل هذه الحالات أن اللجان تشكل من رؤساء القمم السابقة والحالية والقادمة، وهذا التشكيل مقصود هدفه اعطاء قوة استمرارية، ولكن يبدو أن البعض لا يفهم معنى أو سوابق مثل تلك اللجان، وهكذا جرى تقديم اقتراحات للتحول عن المفهوم المقترح إلى لجان من نوع آخر، ولم يقطع القادة العرب حسم مثل هذا الاشكال البسيط وترك لمشاورات لاحقة.
المؤشر الخامس: عن دلالات تكرار المواقف كما هو حال موضوع جزر الإمارات ودعوة إيران للتجاوب مع طروحات الحل السلمي أو غير ذلك من القضايا. إن القمة العربية في هذا السياق وأمثاله لم تضف جديدا وهي اشبه بالقرارات التي تصدرها سنويا الأمم المتحدة بخصوص مختلف القضايا الدولية.
المؤشر السادس: وهو ما أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية أن القمة تحولت إلى مكالمة دولية! إذ شارك في جلساتها العلنية ممثلو الكثير من الدول للمرة الأولى وغير مفهوم مبرر ذلك سوى الرغبة في المشاركة والحوار مع القوى الدولية المختلفة. ومن ثم تحولت بعض الاجتماعات لتكرار اجتماعات الأمم المتحدة إذ كل ضيف يرغب في القاء كلمة مطولة تعبر عن مواقفه وإن كثيرا من الحضور يشعر بالملل من طول الكلمات ومن تكرار المواقف التي لا تقدم شيئا عمليا ملموسا سوى عبارات الإنشاء العامة.
المؤشر السابع: ظهر من خلال المؤتمرات الصحافية التي عقدها وزير خارجية الجزائر رئيس القمة وأمين عام جامعة الدولة العربية وقد سادها جو من التوتر المكبوت، لم تستطع بعض الضحكات أن تكفيه كما لم تستطع ردود الوزير الجزائري ولا أمين عام الجامعة العربية أن تغطي على جوهر الخلافات.
المؤشر الثامن: الذي يمثل قمة حقيقية كان حديث الزعيم الليبي المطول والذي عقب عليه الرئيس الجزائري بانه بصفته مسئولا عن شعب الجزائر لا يستطيع أن يقول ما قاله الزعيم الليبي، ولكنه لو لم يكن مسئولا فربما سيكون من مريديه ويعبر ما عبر عنه. ولا تعقيب على الموقفين ولإعلى الضحكات التي سادت الاجتماع سوى أن المعاني واضحة والدلالات ناصعة وأن هذا هو حصيلة تحليل سياسي عميق لواقع مؤلم لأمة تمتلك القدرات والإمكانات، ولقادة محنكين مسئولين عنها متربعين على مقاعدهم عدة سنوات وغير معروف حصيلة الإنجاز على وجه الدقة.
المؤشر التاسع: جاء ردا من السلطات الإسرائيلية والأميركية والإيرانية على نتائج القمة. فمواقف هذه الدول الثلاث من كل قضية تخصهم هي اتهام القمة بالعجز وتكرار التحولات المعروفة مسبقا ومن ثم لا تأخذ تلك الدول النتائج والقرارات مأخذ الجد.
المؤشر العاشر: ظهر في تهديد الأمين العام للجامعة العربية من مخاطر الأزمة المالية وعدم سداد الدول الأعضاء لالتزاماتها، ثم في نتائج هذا التهديد بإنشاء صندوق احتياطي لدعم المنظمة الإقليمية العربية. ولكن كيف سيمول هل بالحصص نفسها أم من تبرعات أم سيظل حبرا على ورق كما حدث مع حالات مماثلة؟ كذلك القمر الاصطناعي العربي وغير ذلك من الطروحات الجميلة شكلا الخالية من آليات التنفيذ والتمويل عملا، والتي قد تظل أملا وحلما جميلا للاجيال القادمة.
تلك بعض المؤشرات التي قد تبدو سلبية ولكنها لا ينبغي أن تضفي الحقيقة وهي أن القمة السابعة عشرة كانت ناجحة بكل المقاييس وفاقت في نجاحها كل التوقعات
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 932 - الجمعة 25 مارس 2005م الموافق 14 صفر 1426هـ