لاحظ السيد محمد حسين فضل الله، أن مصطلح "الارهاب" نفسه بات يستخدم بطريقة إرهابية، مشيرا إلى فوضى المصطلحات التي تحولت إلى أسلحة ثقافية تمهد لأكثر من اجتياح سياسي وميدان، وأن أميركا عملت على تعميم الارهاب وخلق مناخات إرهابية وفشلت في حرب "الارهاب"، فتحاول أن تعوض فشلها برفع شعار آخر اسمه "نشر الديمقراطية" في عملية هروب جديدة إلى الأمام.
جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن التعريف الإسلامي للإرهاب والاستخدام الأميركي المتواصل لهذه الكلمة، وأجاب: "لعل من المعالم البارزة لهذه المرحلة أن ما رسم أميركيا تحت عنوان: "الحرب على الإرهاب"، أصبح جزءا من الثقافة السياسية والإعلامية التي يتداولها العالم وخصوصا المستكبر منه، والذي تسالمت فيه المحاور الدولية الكبرى على التخطيط لشن الحروب السياسية والإعلامية، وربما العسكرية والأمنية، بطريقة استباقية باسم الحرب على الإرهاب. وهو من وجهة نظر إسلامية الوسيلة العدوانية التي يستخدمها البعض بغير وجه حق ولا شرعية ضد الآخر وضد المدنيين فيلجأون إلى القتل والتفجير والتدمير ونهب الأموال ضد الفرد والمجتمع في غير حال دفاع أو حرب مشروعة، ولا يمكن استبعاد أي احتلال عن هذا التوصيف لأن إرهابه يكون جماعيا وعلى مستوى الدولة. والعمليات الاستشهادية - التي تنطلق كوسيلة اضطرارية من الشعب المحتل لتحرير أرضه ومواجهة القوة الهائلة والأسلحة المدمرة للعدو التي لا يملك المقاومون أية قوة تجاهها إلا أجسادهم الضاغطة على الواقع الأمني للعدو لمنعه من حريته في المجازر الوحشية - مستثناة من التعريف الآنف الذكر، لأنها تدخل في حساب الدفاع الاضطراري عن النفس لحماية الشعب كله على مستوى مصيره.
إن الإرهاب قبل أن يكون ممارسة عدوانية انطلق كذهنية وعقلية متعجرفة واستعلائية وإقصائية، ولذلك وجب على الداعين إلى محاربته التصدي لهذه الذهنية، لأن الإرهاب هو فعل ثقافة قبل أن يكون فعلا عدوانيا ماديا، ولذلك رأينا أن الإسلام عندما وضع الأسس لقواعد التسامح والتعارف والانفتاح والحوار فإنه قدم البديل الإنساني لثقافة التدمير والعدوان التي تشكل نقطة البداية لتبرير كل عمل إرهابي. كما عمل الإسلام على دراسة الأسباب والعوامل المكونة للإرهاب ووضع الأسس السليمة والمشروعة لمواجهتها قبل أن يواجه النتائج بشكل مباشر وعنيف، ولذلك يستطيع كل باحث موضوعي أن يعثر على المقومات الأساسية التي اعتمدها الإسلام لتفكيك البنى التحتية للإرهاب السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية على السواء.
ومن خلال رصدنا لما يسمى "الحرب على الإرهاب" التي تشنها دوائر سياسية ومراكز أبحاث عالمية لأهداف وأغراض معروفة، لاحظنا وجود إرهاب فعلي على مستوى المصطلحات عالميا، فهذه المصطلحات يراد لها أن تكون هي الأسلحة الثقافية التي تمهد لأكثر من اجتياح سياسي وميداني، إذ فرضت فوضى المصطلحات "المنظمة" نفسها في كل الاتجاهات، فهناك الإرهاب النفسي والإعلامي والسياسي، حتى أن مصطلح الإرهاب نفسه يستخدم بطريقة إرهابية. ونلاحظ أن الولايات المتحدة التي فشلت في تحقيق أي نصر في الحرب على ما تسميه الإرهاب تعمد لتغطية فشلها الأمني بحروب إعلامية وسياسية تشنها على غير صعيد، وتحاول أن تطلق أكثر من ورشة سياسية وإعلامية للقيام بمؤتمرات تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ولإبقاء ثقافتها السياسية في نطاق التداول العالمي بما يوحي بأن هذه الحرب تحقق نجاحات وأنها أصبحت برنامجا سياسيا لكثير من الدول التي لم تكن لتسمح بجعله في دائرة الأولويات من قبل.
بل إن أميركا الإدارة فشلت فشلا ذريعا، وساهمت بشكل فعال في تعميم الإرهاب وخلق مناخات إرهابية، وهي تتحمل إلى جانب "إسرائيل" المسئولية الكبرى عن فوضى العالم وأعمال التفجير والقتل والتدمير التي تشهدها المنطقة والتي تنعكس بنتائجها في بلدان أخرى أوروبية أو غربية أو عربية وإسلامية. وأميركا التي فشلت في تقديم نفسها للعالم كقيادة أخلاقية تحميه من الإرهاب، تحاول أن تعوض عن فشلها برفع شعار آخر اسمه نشر الديمقراطية في عملية هروب جديدة إلى الأمام بما يخدم مشروعها التوسعي في المنطقة.
إننا نسأل الأميركيين الذين يتحدثون عن وجود 54 دولة في العالم لا تعمل بالديمقراطية: كم هي عدد الدول في العالم التي تحتل أراضي الآخرين؟ وهل الاحتلال الإسرائيلي سمة من سمات الديمقراطية؟ أم أن لافتة الديمقراطية التي وضعت مكان لافتة الإرهاب يراد لها أيضا أن تكون الوسيلة لمزيد من الاستغلال والضغط إعلاميا وسياسيا وحتى عسكريا بما يؤدي إلى مزيد من قمع الحريات المدنية. إن أكبر عدو للديمقراطية هو الاحتلال الذي يظهر بكل وحشيته في فلسطين، وإن واحدا من أبرز مصاديق الإرهاب الاحتلال بكل ممارساته الإرهابية ونتائجه التدميرية في العراق... ولا يمكن لمن يمارس أكثر الأساليب عدوانا وإرهابا أن يقف واعظا للعالم في الحرب على الإرهاب.
إننا نوافق على ما قاله أحد الأوروبيين في مؤتمر مدريد عن الإرهاب، من أن سقوط ضحايا أبرياء يولد الغضب والاستياء، وهذا الغضب والاستياء يغذي الإرهاب، ولقد كانت السياسة الأميركية في السنوات الأخيرة كارثية على العالم أجمع من خلال هذا الكم الضخم من الضحايا الأبرياء الذين سقطوا بفعل مشروعات بوش وإدارته، ولذلك فإن المطلوب من العالم وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي أن تقول كلمتها حيال هذا الإرهاب والقهر الذي لن يفضي إلا إلى المزيد من الفوضى والدمار والعدوانية بدلا من أن تماشي المشروع الأميركي، وتحاول محاكاته في ضم المزيد من الأسماء والعناوين إلى اللوائح الإرهابية في الوقت الذي تعرف أن أميركا تمارس إرهابا عليها عندما تضغط عليها لتحقيق هذا الهدف.
إننا أمام ذلك كله نحذر من الاستجابة لكل العروض التي تقدم من هنا وهناك على أساس أن ثمة شهادة حسن السلوك قد تصدر من أميركا وغيرها عندما يتم الانحناء أمام العاصفة لأنها العروض التي يراد لها أن تماشي الشروط الإسرائيلية، لا أن تراعي مصلحة شعوبنا التي تعرف كيف تتصدى للعواصف بالمزيد من الوحدة والسعي إلى تجاوز الحواجز بالحكمة في الخطاب والحركة وفي رد الفعل أيضا
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 931 - الخميس 24 مارس 2005م الموافق 13 صفر 1426هـ