حديث السنة والشيعة، حديث قديم ذو شجون، وظنون أدناها "الصواب في خلافهم" وأقصاها "دماؤهم ونساؤهم وأموالهم حلال لكم"، هذا الموقف من الآخر، والآخر هنا هو جاري وجارك وزميلي وزميلك وصديقي وصديقك.
الطائفية في البحرين، في جانب كبير منها هي طائفية "مصلحية"... كيف؟ على رغم إيماني ويقيني بالقواعد السلفية في فهم القرآن والسنة على هدي الصحابة والذين منهم آل البيت، والتابعين والذين منهم آل البيت، وتابعي التابعين والذين منهم آل البيت، إلا أنني اعتقد بأن ما يحدث اليوم في البحرين، إلى حد بعيد، هو "طائفية مصلحية"، لدي إيمان بأن صراع المصالح بين الطبقات الاجتماعية "الصراع الطبقي في أحد وجوهه" هو ما يحرك البعض نحو التمترس خلف هذه الجمعية المذهبية أو تلك، إلا أن ذلك لا يعني أن ثقافتنا الدينية لم يشبها شائب ولم تلعب بها الأيدي المتمصلحة من وراء انشطارات المجتمع، إذ إن ما قرأته عن: قتال معاوية لعلي واستشهاد عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان والحسين "رض"، ويوم الحرة... إلخ، والقتال الذي نشب بين أبناء مذهبين من مذاهب أهل السنة والجماعة في البصرة في سالف الأزمان، كلها شواهد تؤكد وجود أياد ملطخة بالدماء.
في بيان "الأصالة" نص يدعو للمواطنة، وهذا تطور إيجابي، إذ بات التجمع السلفي يؤمن بـ "روح الانتماء والمواطنة" وأيضا هناك إشارة "إلى بث الروح الطائفية" أي أن التجمع السلفي ضد الروح الطائفية، ولكن عليه أن يعمل على إزالة اسباب هذه "الروح" ولعل منها: الأشرطة وأحد أعداد مجلة الاستقامة وخطباء المنابر و... و...، ويكون منها أيضا عبارات وردت في بيان "الأصالة" ذاته! التطور الإيجابي الذي أشرت إليه من الممكن أن يخدم مبدأ ترسيخ المواطنة، وعلينا مراكمة الإيجابيات الأخرى أنى وجدت ومن أي مكان.
أما بالنسبة إلى ما تطرق إليه البيان بشأن زوجات النبي وصحابته، فأنا لا أحبذ الخوض في هذا الحديث مخافة أن يتم قراءة كلماتي وفهمها بعقول طائفية، فكلمة "كاتب مو نظيف" قيلت سابقا في أحد المنتديات والذي تم إغلاقه أخيرا وذلك ردا على الأخ مشرف الموقع الذي قال: "إنه لا يوجد تجريح للأشخاص بل نحن نناقش الأفكار"! المهم أن ما نعتبره خطا أحمر يجب أن يبقى كذلك، والإخوة الشيعة في غالبهم يتفهمون ذلك إلا "القلة القليلة" لا تريد أن تتفهم، فأمهات المؤمنين وآل البيت والصحابه هم خط أحمر لدى أي منتسب للمذاهب السنية الأربعة، ومكانتهم غير قابلة للنقاش أو الطرح على بساط البحث، فما بالك بالتطاول عليهم!
طبعا أنا أرفض بعض ما جاء في البيان، وأوافق على بعض ما جاء فيه، وهذه ليست دبلوماسية أو مسك العصا من النصف، فهذا دين أدين الله به، وأعتقد ان بيان "الأصالة" صريح في بعض العبارات وخصوصا في هذا الجانب، أما الجانب الآخر فإني قد طرحت على بعض الإخوة في "الأصالة" أن يدعو إلى مشروع مصارحة ومكاشفة مع الإخوة الشيعة ويجلسوا معهم للمفاوضة بشأن مختلف المسائل الحساسة، بدلا من البيانات والأشرطة التي إنما تزيد من التوتر الطائفي في البلاد. وأتمنى من السيدعبدالله الغريفي الإفاضة في مجمل النقاط التي تطرق إليها البيان السالف الذكر، وللسيد موازين جميلة وعبارات لطيفة يتحفنا بها أسبوعيا في هذه الصفحة.
كتبت في أيام عاشوراء مقالين عن المناسبة، وتطرقت في إحدى الفقرات إلى "التوسع المكاني" والمخالف لعرف البلد، كما تطرقت إلى أنه يجب على السنة عدم "التحسس" من ممارسة الشيعة لشعائرهم، فذلك حق من حقوق حرية العبادة والضمير ومنصوص عليه في دستور البلاد. قرأت بيان "الأصالة" واقتنيت كتابا من إحدى الخيام العاشورائية بعنوان: "أهل السنة والجماعة شعب الله المختار"!؟ قرأت بيان الأصالة واستمعت إلى شريط لعبدالله السلفي، وكذلك حضرت خطبة لقارئ في يوم "كسر الفاتحة" وهو يصرح تارة ويلوح تارة أخرى عن قتل جنين فاطمة "رض"، وقرأت كتاب "ثم اهتديت" و"بل ضللت"، وقرأت الكثير عن حوادث جرت في إيران بعد قيام الثورة، وتألمت لقتلى التفجيرات في كويتا "باكستان" وفي الحلة "العراق" وقرأت...، وشاهدت في المنامة أيام عاشوراء رسما لباب مكسور ودم نازف لامرأة أسقط جنينها، وأسفت للتمييز الحاصل في بعض الوزارات ذات الطيف الشيعي أو السني... وماذا بعد؟!
الوطن هو الخاسر الأكبر من كل هذه السجالات السطحية. أسلوب رفع الأعلام والصور مرفوض من قبل الكثيرين وهو محل نقاش دائم كما أعرف في البيت الشيعي، ولعل رئيس التحرير منصور الجمري أصاب كبد الحقيقة في أحد مقالاته حينما ساق مثالا لمن يطلب وظيفة في جيش البحرين ويرفع صورة قائد لقوات مسلحة لبلد آخر. كذلك اسلوب البيانات البلاغية "بيان الأصالة مثالا" أسلوب يدخلنا في دوامة البيانات التي لم تنته مد مؤلفات "نهج الكرامة" و"منهج أهل السنة والجماعة" لغاية اليوم.
أحد الحلول للإشكالات المؤذية لروح المواطنة وجسد الوطن تأتي من خلال مفاهمات وتعاهدات بين ثلاثة أطراف: الحكم والشيعة والسنة، هذا إذا أردنا أن نعيش في دولة القانون والمؤسسات، ونؤسس للمواطنة الحقة. والمواطنة هي خدمة العلم وأن يدافع كل بحريني عن تراب الوطن، ويكون له الحق في الانتساب للأجهزة الأمنية، وكذلك محو آثار الظلم الذي وقع على طائفة بأكملها ومناطق بأكملها، وإزالة أسبابه، والقضاء على كل أنواع التمييز العرقي والقبلي والطائفي/ المذهبي في مختلف القطاعات بالمملكة. وذلك لابد أن يمر عبر مفاهمات واضحة ومحددة أساسها الالتزام بالميثاق والدستور كحاكمية عليا، وبعد ذلك من الممكن أن نصل إلى غد مشرق خال من العصبيات المذهبية من كلا الطائفتين، فما عادت البحرين تحتمل مثل هذه النزاعات، بل يجب الالتفات إلى قضايا الوطن الكبرى كالبطالة والإسكان والصحة والتعليم، ومحاربة الفساد الاخلاقي والإداري والمالي. وللحديث بقية
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 930 - الأربعاء 23 مارس 2005م الموافق 12 صفر 1426هـ