العدد 930 - الأربعاء 23 مارس 2005م الموافق 12 صفر 1426هـ

الاحتلال بين نظريتين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في مناسبة انقضاء السنة الثانية على احتلال العراق، ما هي القراءة الدقيقة لتداعيات تلك الحرب؟ القراءة الدقيقة ضرورية حتى لا تقع المنطقة في تفسيرات تؤسس لسياسات خاطئة قد تستدرج بعض دول الجوار إلى تقديرات في موازين القوى ليست واقعية في حساباتها.

الدقة في القراءة تساعد على التقاط السياسة الأميركية في لحظتها الراهنة وتسعف في استخلاص استنتاجات لا تبالغ في النتائج، وبالتالي تسهم في تحديد سلوك عقلاني لا يتخبط في فهم تلك الاشارات المتعارضة التي ترسلها واشنطن عن قصد يوميا.

هناك أكثر من قراءة للموقع الأميركي في المنطقة ومسار احتلال العراق. ويمكن تقسيم هذه القراءة إلى تيارين:

الأول يرى أن احتلال العراق فشل سياسيا وعسكريا وأن أميركا الآن تعاني من مشكلة وهي تورطت ووضعها سيئ إلى درجة أنها لا تستطيع التفكير إلا في كيفية الخروج من المأزق. فهذا التيار يرى أن العراق تحول إلى "رمال متحركة" و"مستنقعات فيتنام"، وأن الاحتلال يواجه مقاومة عنيفة وممتدة ويعاني الأمرين ولا يعرف كيف السبيل إلى الخروج، بل ان الاحتلال بات في وضع لا يحسد عليه، فالبوصلة ضاعت وفقد خريطة الطريق التي تدله على المسالك والمفارق للهرب من تلك الكارثة المرعبة التي سقط فيها.

هذا الكلام نجده في تحليلات ومقالات وتصريحات تطلقها اتجاهات مختلفة، وخلاصته أن المقاومة على قاب قوسين من الانتصار والولايات المتحدة على بعد أمتار من الهزيمة. وفي النهاية مجموع خلاصات هذا الكلام يفيد أو يقود إلى تصور بسيط يقوم على معادلة أكثر بساطة وهي: أن أميركا في مشكلة وهي تفكر في إنقاذ قواتها من كارثة العراق وبالتالي من الصعب على دولة تعاني ما تعانيه من خسائر فادحة أن تفكر في توسيع حربها أو خوض معارك أخرى ضد دول مجاورة لبلاد الرافدين.

هذا النوع من التفكير يرضي الذات وينتهي إلى تأسيس مشكلة. والمشكلة لا تقتصر على المبالغة في تصوير الصعوبات التي تمر بها قوات الاحتلال، بل انها تؤسس إلى كارثة أخرى تقوم على مجموعة أوهام أو حسابات غير دقيقة قد تورط دول الجوار في تقديرات مبنية على قراءة غير موضوعية لواقع الحال.

القراءة الموضوعية نجد بعض عناوينها في التيار الثاني، والفكرة الأساسية التي تقوم عليها تحليلاته تعتمد على قراءة متواضعة للصعوبات التي تعاني منها قوات الاحتلال في العراق. الصعوبات كثيرة ولكنها لم تصل بعد إلى حد الكارثة. فالولايات المتحدة بإمكاناتها وقدراتها وحساباتها الكبيرة تستطيع أن تتحمل تلك الخسائر اليومية، وخصوصا بعد أن تراجعت ضربات المقاومة ضدها في الفترة الأخيرة.

لاشك في أن القوات الأميركية تعاني من صعوبات، إلا أنها ليست الآن في وارد الانسحاب العسكري، وهذا هو الفارق بين الانسحاب ومسألة "الخروج من المأزق".

الخروج من المأزق يعني ترتيب العلاقات السياسية في دائرة محلية وإقليمية ودولية تضبط حدود انتشار الاحتلال من دون أن تعني خروج الجيوش من العراق. فالجيوش باقية على الأقل لمدة سنتين كما تقول الإدارة الأميركية. والصعوبات التي تعاني منها لا تعني على الإطلاق أن أميركا اختصرت سياستها الدولية على التخلص من ملف العراق وتركت للأطراف الأخرى معالجة ما تبقى من ملفات.

الملف العراقي الساخن هو الأهم، لكنه لا يعطل النظر في ملفات أخرى مجاورة لبلاد الرافدين، وهذا يعني أن واشنطن لاتزال في وضع يسمح لها بالتفكير في أمور أخرى وكذلك لاتزال في موقع لا يعطل عليها إمكانات الغدر والخداع أو خوض معارك ممتدة انطلاقا من استخدام العراق قاعدة انطلاق لمواجهات أخرى.

القراءة الدقيقة لملف العراق مهمة جدا، لأن المبالغة في تقدير الوضع الأميركي تسهم في تأسيس تصورات تورط بعض الدول الاقليمية في حسابات غير صحيحة. بينما القراءة التي يقولها التيار الثاني تقلل كثيرا من إمكانات الخطأ وتضع مجموع الخسائر العسكرية الاميركية في دائرة تقرأ السياسة في إطار موازين القوى لا موازين الايديولوجيا وتفكير الأجهزة الأمنية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 930 - الأربعاء 23 مارس 2005م الموافق 12 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً