محاربة الفساد تنفع الحاكم والمحكوم. .. ففي الشهر الماضي أبلغت الحكومة التركية الولايات المتحدة الأميركية انها لا تحتاج إلى المعونة التي كانت قررتها أميركا لتركيا قبل عدة سنوات "نحو ثلاثة مليارات دولار" لأن الاقتصاد التركي نما خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة، وان الغلاء انخفض من 100 في المئة قبل عشرة أعوام إلى نحو 11 في المئة العام الماضي.
لماذا تحقق هذا التحسن بصورة ملحوظة في تركيا؟ لعل السبب يرجع إلى رغبة الأتراك في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومن أجل ذلك سعت تركيا لإثبات جدارتها من عدة جوانب، مثل احترام حرية الصحافة وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، وغير ذلك من الشروط الأخرى التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على أعضائه أو الراغبين في الانضمام إليه. وتركيا، كما هو حال عدد غير قليل من بلدان الشرق الأوسط، كانت عشا للفساد الواضح أمام أعين كل الناس.
ولكن في السنوات الأخيرة بدأت حملة على عدد محدود من الفاسدين الكبار، من بينهم مسئولون كبار في الدولة ورئيس مصرف وعائلة من كبار التجار، وبقدرة قادر بدأ الوضع الاقتصادي يتحسن إلى الدرجة التي جعلت تركيا ترجع واحدة من المعونات المالية التي كانت ستضاف إلى الدين العام.
وقد كان للصحافة دور مشهود في فضح الفاسدين الذين إنما ينتعشون في هذا البلد أو ذاك إذا لم تكن هناك حرية في التعبير وإذا لم يكن هناك حكم فاعل للقانون.
وقبل أيام سلم ديوان الرقابة المالية حساباته السنوية إلى جلالة الملك، وقبل ذلك، في نهاية العام الماضي، سلم الديوان الرقابي تقريرا جريئا - نوعا ما - عند مقارنته الوضع الحالي في البحرين بما كان قبله. ونشرت الصحافة أجزاء من ذلك التقرير، وكنا نتوقع أن يلعب القضاء دوره بشكل واضح وجازم، كما كنا نتوقع أن يقوم البرلمان بدوره أيضا في مناقشة ما جاء في التقرير بشكل يؤدي إلى إرجاع الحقوق العامة ومعاقبة المتهمين الظاهرين والمتخفين خلف الظاهرين، ولكن أيا من ذلك لم يحدث.
لقد أعلنت الأمم المتحدة التاسع من ديسمبر/ كانون الأول يوما عالميا لمكافحة الفساد الذي ينخر في اقتصاد البلدان ويمنع التنمية ويخلق المصائب لشعوب تلك البلدان وللعالم أجمع. ونحن في البحرين بحاجة إلى أن نكون جادين أكثر، وبصورة فعلية وحقيقية، لمنع الفساد الإداري والمالي، وهذا لن يتم إلا في حال تطبيق القانون الرادع بحق عدد من كبار المتلاعبين بحيث يكونون عبرة لمن يعتبر.
إن ما يحز في النفس هو أن القانون الشديد يطبق في القضايا الصغيرة ولكن لا وجود للقانون عندما يتعلق الأمر بمن لديه نفوذ، وهذه المعادلة مقلوبة تماما لما هو معمول به في البلدان الديمقراطية. ففي تلك البلدان ترى أن تطبيق القانون على الفئات الضعيفة وعلى السارقين الصغار خفيف جدا مقارنة بما يحل على من لديه نفوذ من عقاب صارم في حال اكتشافه. الوضع ذاته ستراه بالنسبة إلى دفع الضرائب. فمفتشو الضرائب في البلدان الديمقراطية قد يغضون الطرف عن بائع خضرة يخالف قانون الضرائب، ولكن الويل والثبور لشركة كبيرة أو متنفذ إذا حاول أن يتلاعب بمسألة دفع الضرائب المستحقة عليه.
وهكذا يجب أن يكون الحال في بلادنا... التطبيق الصارم للقانون على أصحاب النفوذ ولو مرة واحدة، ولو ضد عدد محدود جدا، لنرى كيف يتحول ذلك إلى تحسن مشهود في الوضع الاقتصادي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 930 - الأربعاء 23 مارس 2005م الموافق 12 صفر 1426هـ