عندما أقرأ احصاءات تقرير "التنمية البشرية للأمم المتحدة" أشعر بالغثيان. .. انها صورة قاتمة للعالم... انها ارقام مفزعة تدل على ان كذبة العدالة في العالم كذبة سمجة لا يمكن شراؤها، وتلك هي المفارقة!
- 6 مليارات دولار مطلوبة سنويا للتعليم الاساسي في جميع دول العالم الثالث في أن حين كلفة ادوات التجميل في الولايات المتحدة هي 8 مليارات دولار!
- 7 مليارات دولار الكلفة السنوية التي تحتاجها دول العالم الثالث لتنعم بالمياه والصرف الصحي في حين تنفق 11 مليار دولار على الآيسكريم في أوروبا ويصرف على العطور في أوروبا والولايات المتحدة ما قيمته 12 مليار دولار.
- 13 مليار دولار مطلوبة للصحة والتغذية في العالم الثالث في حين تصرف 105 مليارات دولار على اغذية حيوانات المنازل في أوروبا والولايات المتحدة و50 مليارا على السجائر في أوروبا و870 مليار دولار على الانفاق العسكري في العالم. لاشك أن القارئ يريد المصدر. أرجعكم إلى مصدر آخر ذكر هذه الأرقام هو موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان لهيثم مناع.
هذه الأرقام ليست غريبة، وبعيدا عن النزعات الشعوبية اقول: العرب ربما يصرفون أكثر على الكماليات، ولكن الفرق ان الارقام العربية لا يفصح عنها لأنه ليست هناك مؤسسات شفافية تمتلك شجاعة الافصاح عن الارقام مخافة صدمة المجتمع، على رغم ظهور حالات كثيرة من السلوكيات الاستفزازية للفقراء... صحيح احيانا اشعر بالغثيان عند قراءة الارقام لكن اعتقد ان تاريخ العرب ليس قليلا في ذلك... ربما اتهم التاريخ احيانا بالمبالغة وربما يكون ذلك صحيحا، ولكن في نهاية المطاف لابد ان تكون هناك حقائق. مثلا التاريخ يتكلم عن أن سليمان بن عبدالملك كان يقبض على الدجاجة بكمه وهي حارة فيفصلها ويذكر التاريخ عنه انه خرج يوما من الحمام فاستعجل الطعام فقدم له 20 خروفا فأكل بعض أجوافها... ربما هو لا يقدر على أكلها ولكنه يسليه ان يرى 20 خروفا مقدما بين يديه، وقيل عنه ايضا انه يتخذ سلالا من الحلوى "سويت" يجعلها حول مرقده فإذا أفاق من نومه يمد إليها يده.
صحيح ان الجوع كافر، ولكن ماذا تفعل مع العالم؟ هل صحيح أن النظام العربي لا يقدر على خلق اقتصاد منتج وتوزيع عادل؟ المشكلة بعيدا عن جلد الذات ان العرب لم يستثمروا ما وهبهم الله من موارد ومن نفط، واسمحوا لي ان اقول ان سوءات الدول الاوروبية في الإنفاق على الكماليات افضل الف مرة من العرب، ولو زادوا علينا، لأنك تذهب للغرب فتجد هناك بنى تحتية، تجد تحضرا في التعامل مع الحقوق الانسانية، تجد للمواطن قيمة اما نحن العرب فماذا فعلنا؟
رجعنا إلى الخلف نصف قرن بفعل: 1- الانفاق الهائل لتطوير الاجهزة الامنية. 2- الغرق في الديون الخارجية. 3- شراء الاسلحة الميتة. 4- توقف التنمية الاجتماعية.
إلى الآن المواطن العربي لم يشعر بقيمته كإنسان له حق ان يحصل على وظيفة، ان يسكن، ان يعيش، ان يشعر بالكرامة لانتمائه للعرب. ان مستوى الثقافة لا ينتج الا ثقافة الإقصاء والتصادم والكراهية، اما من منطلق طائفي أو عرقي أو مناطقي وهكذا، والمسلمون مازالوا "مختلفين على غسل ومسح القدم حتى لم يعد لهم في الارض موطئ قدم".
حقيقة لا أأمل بديمقراطية واعدة في العالم العربي إلى اليوم، نسحب خلافات التاريخ لتتحول إلى الغام في الخطاب تنفجر في وجوه ابنائنا... انا لست متشائما ولكن عندي اعتقاد راسخ أن أية أمة لا يتغير وضعها السياسي حتى يتغير وضعها الثقافي، وللأسف المشتغلون في الحقول الثقافية اما مؤدلجون تاريخيا او حزبيا أو غارقون إلى شحمة الأذن في الانبهار الغربي... الصحيح ان نقر بالواقع... ان نؤمن بايجابيات الغرب ونرفض سلبياته وان نقرأ التاريخ قراءة لا إسقاطية تعمل على خلق التسامح البشري والانساني. العولمة قادمة تحتاج إلى عقل وليس إلى ميكروفونات جنائزية تبكي على الذات
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 929 - الثلثاء 22 مارس 2005م الموافق 11 صفر 1426هـ