العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ

سيرفع شرفاء العالم قبعاتهم لنصر الله!

"التم المتعوس على خايب الرجا"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مثل هذا اليوم قبل أسبوعين، وعند الساعة 5,38 مساء، تلقيت رسالة هاتفية من كاتبة بحرينية زميلة ذات باع وطني نضالي طويل تنبهني: "نصرالله سيخطب بعد قليل. ..". وأثناء الخطاب وصلتني رسالة أخرى تضمنت إحدى عباراته المهمة. وبعد الخطاب مباشرة أرسلت العبارات التالية: "الغالبية ترفض ،1559 لبنان، كل الأمة، إذا جاءت أساطيلكم ستهزم، لا مكان لكم في لبنان". كنت حينها منهمكا في عملي، ولكني كنت أتخيل الملايين من أبناء العرب، من المغرب إلى عمان، وهم متحلقون تلك الساعة حول تلفزيون "المنار" يتابعون كل كلمة تخرج من بين شفتي هذا القائد الشهم، في زمن طال فيه المحول وادلهمت الأمور وبلغت القلوب الحناجر.

في صبيحة اليوم التالي أرسلت لي مقالا لسعيد محيو، بعنوان "ارفعوا القبعة لحسن نصر الله" يقول فيه: "نصرالله بتمسكه بالسلم الاهلي، نسف الجهود الاسرائيلية والاميركية لتعميم الحروب الاهلية في لبنان والمنطقة العربية والعالم الاسلامي... وخلق توازنا استراتيجيا مطلوبا بإلحاح في لبنان بين النفوذ الغربي المتقدم والنفوذ العربي المتراجع... نصر الله كان حكيما ومحنكا... ومرة أخرى كان الرجل التاريخي المناسب في اللحظة التاريخية المناسبة... ارفعوا القبعة للسيد".

هذا السيد رئيس حزب لبناني عربي إسلامي، وقف قبل خمسة أعوام في بنت جبيل بعد طرد المحتل، ليحتفل بالنصر الذي صنعته الشهادة، وصنعته الدماء، وليتحدث عن حرية الإنسان وكرامة الوطن وعزة الأمة، وليعترف بالفضل للمجاهدين المضحين الذين تركوا الديار والأهل والجامعات والمصانع والمزارع وقضوا زهرة شبابهم وعمرهم في قتال المحتل. وليذكر عوائل شهداء الجيش اللبناني والسوري، وشهداء المقاومة الفلسطينية. وليذكر من "ربى وهيأ وأسس لهذا الخط الجهادي المقاوم في لبنان... إمام المجاهدين والشهداء الإمام الخميني" على حد تعبيره بالحرف الواحد.

هذا السيد أثبت للدنيا كلها، أن المقاومة في لبنان أكثر حضارية من المقاومة في فرنسا "المتحضرة" التي أعدمت عشرة آلاف عميل فرنسي من دون محاكمة بعد انهيار جيش الاحتلال النازي في أراضيها، وجعل العملاء الخونة أمثولة لا تضاهى للعملاء دون أن يعدم زرزورا منهم، وهم الذين خدموا "إسرائيل" 25 عاما، وتخلت عنهم في 25 ساعة!

هذا السيد حين قال له أحد الصحافيين إن هناك من يتهم حزب الله بأنه يتحمل مسئولية إسقاط بيريز، ابتسم وقال في تواضع النفوس الكبار: "هو أسقط نفسه وليس نحن من أسقطه. وإذا كنا أسقطناه فنحن نفتخر بذلك"!

هذا السيد، خطط الاسرائيليون لاختطاف طائرته أو قصفها في الجو أثناء زياراته لإيران في التسعينات، ولكن الله صرف كيدهم بفضله. وهكذا كان وسيبقى على رأس القائمة المطلوبة أميركيا وإسرائيليا... والجديد المثير انه أصبح على رأس قائمة المطلوبين عربيا وطائفيا أيضا!

وفي الوقت الذي يتداعي العرب في قمتهم الأخيرة لنزع آخر قطعة من ملابسهم الداخلية في الجزائر، ولإعطاء "إسرائيل" كل ما تريد ومن دون مقابل، في أكبر عملية "انهيار قومي" لمجموعة من الدول في تاريخ العالم أجمع، من دون إطلاق طلقة واحدة! بينما ما زال يتردد صدى خطابه في بنت جبيل منذ خمسة أعوام: "أخاطبكم بإسم الشهداء والمظلومين في لبنان، بالحد الأدنى، أن توقفوا التطبيع مع "إسرائيل".

نصر الله لم يسع إلى رفع صوره في البلاد العربية شديدة الحساسية من الصور "غير الوطنية"، ولم يدفع برميلا واحدا لتكتب عنه المقالات في الإمارات أو الكويت أو البحرين. عاش في الميدان عشرين عاما يأكل على التراب ويتوسد البندقية مع المقاتلين، وأرسل ابنه ليقاتل فكان أول زعيم عربي يستشهد ابنه في حرب معاصرة مع العدو، حتى أنزل الله النصر المؤزر عليه، بينما زعماء الثورات العربية و"فرسان الأمة" يرسلون أبناءهم إلى روما في الشتاء، وباريس ولندن في الصيف، فبشرتهم الرقيقة لا تتحمل لسعات البرد ولدغات الحر! فإذا جد الجد وحمي الوطيس أسلموا الساحة للعدو وهربوا إلى الجحور.

هذا السيد تحمل طوال حياته مهمات عجزت عنها جيوش 22 دولة عربية، وقام مع بضعة آلاف من أنصاره، و 1276 من شهدائه، بمهمة عجزت عنها العرب أجمعين. الآخرون كانوا يختلقون أمجادا من فلين، ومقابل براميل النفط خلق لهم الإعلام المنافق بطولات لم يصنعوها، و"أمهات معارك" لم يخوضوها، حتى صدقتهم بعض الشعوب الساذجة التي تعيش على الوهم، فيما كان السيد يقيم "توازن الرعب" مع أشرس عدو عرفه العرب، بعدد من صواريخ الكاتيوشا المحمولة على أكتاف المجاهدين، حينها وقف ليعلن المعادلة الجديدة: "إذا لم يوقفوا القصف على المدنيين سنستمر في قصف المستعمرات".

اليوم، سيد المقاومة، بطل لبنان، غيفارا العرب والإسلام، مطلوب تحطيمه، ونزع صورته من الشوارع والقلوب. فعليك يا زميلتي أن تنسى ما يقوله نصر الله بعد اليوم، فقد ذهب عصره وجاء عصر المتنطعين المتطوعين لأداء هذه "الرغبة الإسرائيلية" بقانون، جريا على سيرة موروثة على مر القرون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً